النسقوية الجديدة وما بعد الإنسانية: مقاربة جديدة

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلفون

1 عميد کلية الخدمة الاجتماعية جامعة الفيوم

2 استاذ بقسم طرق الخدمة الاجتماعية -کلية الخدمة الاجتماعية - جامعة الفيوم

3 أستاذ مشارک قسم الخدمه الإجتماعيه ووکيل کليه العلوم جامعه أم القري

4 استاذ مساعد بقسم الخدمة الاجتماعية کلية العلوم الاجتماعية- جامعة أم القري

5 استاذ متفرغ بکلية الخدمة الاجتماعية - جامعة الفيوم

المستخلص

أولا: المقدمة ومشکلة الدراسة:
مما لاشک فيه أن الانسان الذي ينشأ على حوار متفهم بناء سوف ينشا إنسان سوي مؤمن إيماناً قوياً لا تزعزعه أعاصير ولا تؤثر على عقيدته تيارات فکرية، يتمتع بخلق قويم ومحب لدينه ووطنه وأمته،خال من العقد النفسية ومتعايش مع نفسه قبل تعايشه مع الأخرين، راضي وقانع بما وهبه الله من قدرات ومهارات وکفاءات ويعمل على تنميتها وإستثمارها في الخير، يحب الخير لمن حوله حتى ولو کانوا مخالفين له في الدين أو الجنيس أو الراي، يعرف واجباته تجاه الاخرين ويؤديها قبل أن يطالب الأخرين بحقوقه تجاهه، ففي الحوار البناء ترويض للنفس على قبول النقد وإحترام أراء الاخرين، وتتجلى اهميته في دعم االنمو النفسي، والتخفيف من مشاعر الکبت وتحرير النفس من الصراعات والمشاعر العدائية والمخاوف والقلق(1).
وللحوار قيمة حضارية وإنسانية فعن طريق يکون ارتقاء الأمم والشعوب، وتقدم التقنيات والحضارات، کما أنه أحد الأساليب التربوية المهمة، فمن خلاله تتضح الصورة وتتجلى الفکرة وتقرب المعاني بأسلوب شائق، وتصحيح المفاهيم المغلوطة والأفکار الخاطئة لدى الآخرين، وديننا الإسلامي الحنيف منذ بدايته دعى إلى الحوار واهتم به اهتماماً بالغاً، لما له من أثر طيب في الإقناع والوصول إلى الحقيقة من أيسر الطرق وأقومها لما فيه من ترويض للنفوس على قبول النقد واحترام آراء الآخرين(2).

نقاط رئيسية

النسقویة الجدیدة وما بعد الإنسانیة

الكلمات الرئيسية


بحث بعنوان

النسقویة الجدیدة وما بعد الإنسانیة:

مقاربة جدیدة

 

 

اعـــداد

أ.د/ شحاتة صیام

رئیس قسم العلوم الاجتماعیة

کلیة الخدمة الاجتماعیة

جامعة الفیوم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تمهید :

یعتبر " لومان " أحد علماء الاجتماع الألمان المبرزین الذین حاولوا تجاوز ما قدمه الآباء المؤسسین (مثل دورکایم وهربرت سبنسر وبارسونز) من أجل تقدیم نظریة جدیدة أسماها "النقدیة الجدیدة" أو "ما بعد الانسانیة"، تلک التى تحاول من خلال التوکؤ على الاستنادات والاطروحات الکلاسیکیة، أن توشج الروابط مع نظریات ما بعد الحداثه، وهو ما یتمظهر بوضوح فى تفعیلها لمفاهیم ونظریات اللغه والنص والخطاب والفعل التواصلی والنظام الحی وموت الذات

ویعد "لومان " المؤسس الحقیقی لنظریة الأنساق فی ثوبها الجدید، التی تخطت تقالید المدرسة الکلاسیکیة للأنساق خاصة ما یرتبط بتعیین طبیعة التمایز بین الفئات الاجتماعیة والأجزاء المکونة للکل الاجتماعی. فإذا کانت نظریة الأنساق التقلیدیة ترى أن الکل النسقی ینقسم نإلى أنساق فرعیة أخرى، فإنها لدى "لومان" هی محاولات جزئیة تعمل وفق منطق ذاتی مستقل یتم عبره ومن داخله صیاغة المعاییر والقواعد الخاصة به، التی تعمل على إنتاج العناصر التی تشکله، ومن ثم إنتاج وتسییر ذاته دون إعتماد على المجالات الأخرى.

ومع أن ما سبق یشکل نقطة إختلاف جوهریة بین الشکل الکلاسیکی والمحدث فی نظریة الأنساق، فإنه أیضًا یتباین عن طبیعة الاستناد إلى العلاقة بین المجالات المکونة للمجتمع والبیئة، وکذا فی الإستناد إلى المنحى التجریبی، ذلک الذی أدى بعلم الاجتماع إلى إصابته بأزمات معرفیة. إن الإطاحة بالمنهج التجریبی فی دراسة واقع المجالات المختلفة المکونة للمجتمع، یجعل "لومان" یستند إلى ما حاول غیره من مفکری ما بعد الحداثة أو ما یسمى بالحداثة المتأخرة، أو السائلة خاصة ما یرتبط بالمعانی التی تضمها المفاهیم فی سیاق إستعمالاتها، فضلاً عن تکوین البنى الذاتیة أو تنظیمها داخلیًا ورفض عملیة الاستراد من الخارج، والإستناد إلى الحاضر ولیس الماضی الذی یتم من خلاله الإنطلاق.   

لقد جاءت هذه المقاربة الجدیدة نتیجة للإحساس بعجز الرؤى الکلاسیکیة عن تقدیم الجدید، فضلاً عن عدم فهم واستیعاب ما یحدث من تحول فى المجتمعات الإنسانیة. إنه فى إطار هذه المراجعه، فقد راح " لومان " ینظر إلى الإنسان فى ضوء فهمه و شعوره بالواقع وسعیه الحثیث إلى تکوین شبکات التواصل، تلک التى تلعب أدوارًا متمایزه فى إعادة إنتاج الذات، واستنساخ عناصر جدیدة فى البیئة المحیطة.

إنه بحسب ذلک، فإننا نکون بصدد ثورة معرفیة جدیدة، تحاول أن تعید للطابع الذاتى مکانته، وتمنحه القدرة على فهم الداخلى والخارجى للانسان فى آن، ومن ثم جعل الذات إطاراً مرجعیاً لذاتها، وهو ما فرض علیها أن تبحث عن المعانى واللغة وطبیعة الفهم، التى من خلالها تتشکل العملیة الاتصالیة بین الانسان والآخر والبیئة والشبکات الاجتماعیة التى تهیکل وجوده المعاش.

وإذا کنا قد ذکرنا قبل قلیل أن " لومان " قد تجاوز الآباء المؤسسین للسوسیولوجیا، فإنه فى الوقت عینه لم ینفک عنهم ویتخلص نهائیًا من أفکارهم، ودلالتنا هاهنا أن أفکاره تأتى مفعمه بمنطق وفکر ونکهة هربرت سبنسر ودور کایم وفیبر وهیجل، وهو ما نمسکه علیه فی أرومة المفاهیم التی هیکلت نظریتة ، خاصة المرتبطة بالنسق، ناهیک عن تشخیصه لمفهوم البنیة الاجتماعیة فى ضوء مفاهیم التمایز والاختلاف والشبکات وموت الذات والتواصل والفهم واللغه، وهو ما سنحاول تفکیکه على طول هذه الورقة.

أولاً : البیولوجیا وما بعد النسق:

بدایة یمکن الدفع بأن ثمة إستنادًا وإعتمادًا واضحًا من قبل ما بعد النسقویة على ما یسمى بنظریة الأنظمة الحیة، تلک التی تحاول إحیاء وإعادة الإعتبار لمفهوم "التنظیم الذاتی"، الذى یقوم بدوره بنسخ وإعادة إنتاج الذات فی ضوء وظروف بیئته المتغیرة، والذی یعود الفضل فی تقدیمها وصیاغة أفکارها ومنطلقاتها النظریة إلى عالمی الأحیاء أمیرتوماتورانا  A.Matnram وفرانشیسکو فاریلا F.Verela (*) اللذان حاولا تقدیم إجابة شافیة عن التساؤل المحوری الذی تستند إلیه النظریة ومفاده : ما الحیاة ؟ ، أو ما الذى یمیز الکائن الحى عن غیره؟ . والحال أنهما حینما شرعا فی تقدیم إجابة عما تقدم ، فإنهما أبلغا فی عبارة قصیرة تفید أن الکائن الحی یستنسخ نظامه الداخلی بطریقة ذاتیة، وهو ما یحدث بالطبع بصورة متکررة أو روتینیه فی کل حین(1) .

إن المتأمل فى الإجابة السابقة، یجدها تأتی للکشف عن طبیعة العناصر الداخلیة المختلفه التى تکون النظام، وتجعله یعمل بطریقة دائمة على إنتاج نفسه من نفسه، وهو ما تفعله الخلایا الحیة فى داخل الکائن الحى من خلال عملیة الفهم والتواصل، وتحدیدا من خلال البروتینات والدهون وغیرها التى یتم استیرادها من الخارج . فعملیة الانتاج أو إعادة الانتاج فى داخل الکائن الحى، تتم عبر الخلایا الحیه التی تستند إلى شبکه من التفاعلات لإنتاج الجزیئات الخاصه بالمشارکه والتفاعل والإستمرار والبقاء. وحیث أن ذلک هو ما یتناقض مع المفاهیم الکلاسیکیة للانسان، إذ لا یتم إنتاج العناصر المکونة لها من خارجها، فإنه فى إطار هذا الفهم  فإن عملیة إنتاج أو نسخ النظم الحیه تتم من خلال ذاتها، اذ تعتمد على الداخل والخارج فی آن(2).

إنه وفق ذلک فالنظم الحیة هى نظم غیر مفتوحة بالمعنى الکلاسیکى، اذ تجعل الخلایا الحیة بداخلها تعتمد على الإتصال فیما بینها، وتحدیدًا على الطاقة الداخلیة وعملیات الاتصال مع البیئة ، وهو ما یجعلنا بصدد انفتاح أو اتحاد الداخلی والخارجی، ذلک الذی یؤثر بشکل فعال على جعل المرجعیة الذاتیة تلعب دورا محوریا فى ازالة کل التوترات والاضطرابات الداخلیه التى تحد من عملیات الفهم والتأثیر والتواصل بین کل أعضاء الشبکة الاجتماعیة (3).

إنه حسب ذلک، فإننا یمکن القول أن نظریة النظم الحیه تمیز بوضوح بین عملیة الاستنساخ والاستفاده من وجود البنى أو النظم الأخرى التى تعمل من أجل البقاء على قید الحیاة ، ومن ثم تعمل على انتاج مزید من العناصر أو الجزئیات التى تساعد على إعادة انتاج أو بعث الخلایا المیته ، وهو مایجعل الاستنساخ وفق هذا المعنى یعمل بشکل مستقل و دوماً على تعدیل تفاعل العناصر المکونة للشبکة الداخلیة فى ضوء ما یحدث من تأثیر فى الخارج .

وأحرى بنا أن نسجل هنا أن النظریة الراهنة وفق طبیعتها السابق الاشارة الیها تستند على ثلاثة أنواع من النظم الحیة، وهى : الذات والمجتمع والشبکات ، تلک التی بدورها تستند على مجموعة أخرى من العناصر المهمة التی تلعب دوراً محوریاً فى بقائها على قید الحیاة (مثل: الأفراد واللغة أو الفهم والمعلومات) ، ومن ثم تساهم فى تفعیل عملیة الإنتاج الذاتى أو إستنساخ النظم الاجتماعیة و نقل المعانى والرموز وتوصیل المعلومات داخلیاً وخارجیاً.

ففى ضوء العملیة التواصلیة التى تقوم الذات بها ، فانها تقوم بعملیة فک الرموز وتأویل المعنى ، لإحداث الفهم والتواصل بین الآخرین وهو ما یطلق علیه "بالتذاوت" ، الذى من خلاله یتم التمیز بین الکلام والمعلومات ، وبالتالى تکون الذات قد فهمت الخطاب وأیدت رفضها أو قبولها للمعلومات التى یتم ضخها من خلال خطاب الآخر.

وحیث أن الذات بمقدورها أن ترفض أو تقبل التواصل ، فمن خلال شبکه من الاتصالات واستنساخ النظم الاجتماعیة الاخرى، یتم رؤیة العالم والسیاقات المختلفه التى تحکم سیرورات العلاقات التواصلیه، وهو ما یجعلها تلعب دوراً مهماً فى انتاج ذاتها بصورة کلیة ، ذلک مایجعل الإنسان فى هذا المقام مثله مثل بقیة الانظمه الأخرى ( النظام السیاسى والاقتصادى ...الخ ) ، یتسم بالدینامیکیة والتکامل ویسعى إلى ادماج ذاته فى ذاته والحفاظ على تفردها، وهو ما یحقق له الاستقلال الکامل(4) .

إنه وفق ما تقدم، فإن "لومان"  فی هذه الحالة أراد أن یخالف الفهم الوظیفى للانظمه، وهو ما یتبدى بشکل لافت فى الأطروحات الکلاسیکیة للانساق أو التنظیمات، خاصة ما یتصل بطبیعة العوامل التکوینیه التى تلعب من وجهة نظره دوراً متمایزاً فى تعزیز عملیة التواصل. فبعیداً عن استبداد العوامل الغریزیه، فإن المعلومة والخبر والفهم والانعکاس تفرض نفسها فى أحداث النمو والتطور والتغییر المستمر، ذلک ما یسمیه بمفهوم "قابلیة التعزیز" الذى یرتبط بابتکار الآلیات الجدیدة للإختلاف والصراع من أجل  تکریس عملیة التکامل ورتق التناقضات فى النسیج العام للحیاة (5) .

 وإذا کان یظهر من کلام لومان أن التواصل فی هذا المقام یستند على الاختلاف، وإن الصراع  یحضر بقوة للحافظ على استمراره وعدم إندثاره وهو ما یدعوه "بالاستقرار الدینامى"، فان التواصل لا یستند بالتالى إلى مبادئ انطولوجیه، ولا یسعى إلى إیجاد الاجماع، وانما یستند على التباین بین المعلومة والتواصل الذی ینتج عنه الاختلاف.

وباعتبار أن لومان یرکز على "الاستقرار الدینامى" الذى تخلفه عملیة الصراع ، فإنه من غیر خاف أنه یرکز أیضًا فی السیاق ذاته على القیم الذاتیه الفردیه، التى من خلالها یتم اعلاء شأن الفکر النقدى الذى یخضع کل شئ فى المجتمع للتمحیص والمراجعة ، بهدف تفعیل القرارات العقلانیة وتحقیق الاستقرار، ومن ثم خلق وتأسیس وتعمیق الشبکات بین الأفراد، وهو ما یسمیه هو "بالإجتماعى" (6) .

وإذا کان لومان وفق ما تقدم یساوى بین الفردى والاجتماعى، فإنه یشدد فی الوقت عینه على ضرورة تفعیل ما یسمى "بما بعد التفکیک" فی تناولنا للأشیاء، الأمر الذی یفرض أن یکون التطور الذاتى هو الأساس والمسئول عن نمو الانظمه الاخرى، وبالتالی یکون الانسان بمثابة "الانا المنظم" الذى یربط  ذاته بالنظم الأخرى لتولید السلوک التوافقى، وتحویل الاضطرابات بطریقه انعکاسیه إلى نوع من الاستقرار، وهو ما یتم عن طریق الدماغ والشبکة العصبیة (7) .

ولما کانت عملیة التواصل التی تمارسها "الأنا" هى لُبْ التفاعل بین الناس والشبکات، أو قل انها التى تربط الانسان بالانسان منذ خضوعه لعملیة التطبیع الاجتماعى Socializationالأولى، فإن اللغه المشترکه تعد الآلیة التی تقوم بدمج الناس مع بعضهم البعض، إذ تشکل إطاراً مرجعیاً للانظمه المغلقه داخل الذات، وتفسیر الأحکام المختلفة وتنظیم الاتصال بین الذوات الاجتماعیة، فضلاً عن اضطلاعها بمجموعة من الوظائف الاجتماعیة المختلفة فى إطار الشبکات الاجتماعیة، وهو مایجعلها تلعب دوراً وسیطاً بین الطبیعة والثقافة، وتشکل الآلیة المحوریة لدمج الأفراد فى إطار الوجود القائم، ذلک مایجعلها على حد تعبیر "انتونى جیدنز" أنها تعمل خارج الزمان والمکان (8).

إذن حسب ما تقدم، فاللغة باعتبارها إلیه للتواصل فی إطار نظریة ما بعد النسق، فهى تعد من النظم الرئیسة التى تتمتع بالرمزیة وتتسم بقدر کبیر من الحریة، إذ من خلالها یتم تأسیس شبکة من الإختلافات خاصة فى سیاق عملیة التبلیغ والفهم وتقدیم المعانى، وهو ما یفرض بالتالى ضرورة توفر عملیة التأمل والتأویل التى تحدث فى داخل الذات البشریة اثناء عملیة التواصل(9).

ومن الأهمیة بمکان أن نعی أنه فی إطار عملیة التواصل لابد وأن نمیز بین ما هو تواصلی وما هو لیس کذلک. أو بمعنى آخر أنه إذا کان التواصل یجسد القدرة على التفاعل، فإنه أیضًا یضمن وجود الإختلاف بین النسق والبنیة، وهو ما یفرض علینا أهمیة التمییز بین المرجعیة الذاتیة والمرجعیة الغریبه. فإذا کانت المرجعیة الاخیرة تتحدد فی المعلومة ، وأن المرجعیة الذاتیة تتمثل فی وظیفة التبلیغ ، فإن التواصل یتحقق فی الإخبار أو التبلیغ عن شئ من خلال المعلومة ، وهو ما یجعل النسق فی إطار المعاودة والتکرار، یسمح بإعادة الدخول إلى ذاته من أجل إستنساخ ذاته فی ذاته، وبالتالی تمسی عملیة التواصل فعلاً داخلیًا، تنتفی فی إطاره عملیة الخروج عن إطار النسق ذاته.

ولما کان التواصل فی إطار هذه النظریة لا یتأسس على مبادئ أنطولوجیة ولا یهدف إلى الإجماع ، فإنه بالتالی یعد رؤیة أو لعبة لیست ذاتیة تستند على الإختلاف بین المعلومة والتوصیل، وتهدف إلى تحقیق التواصل الذی ینتج الإختلاف والإجماع فی آن  ، وهو ما یجعله لیس فعلاً ، وإنما الوحدة الأولیة للتأمل والوصف الذاتی للأنظمة الإجتماعیة، التى تتمفصل فیه ثلاثة عوامل هی: الإخبار والخبر (أو المعلومة) والفهم. تلک التی تعد  منتجًا للعناصر الأساسیة فی الأنظمة الإجتماعیة، التی لا ترتبط بعناصر الإرسال والإستقبال التی تشکل سلطویة أو قل علاقة عمودیة فی الوجود المعاش.

وحیث هو کذلک، فهو لا یأتى من خلال طرف واحد ، وإنما یمثل علاقة بین متغیرین أو أکثر، تعمل فی نهایة الأمر إلى الإجماع والإمتناع ، الذی هو فی التحلیل النهائی علاقة تعسفیة وإخضاعیة من طرف على آخر. إذن نفهم من ذلک أنه لا تواصل بدون إختلاف، لأن الإنکماش على الذات والتقوقع بعیدًا عن الآخر خوفًا من الوقوع فی مغبة التدنی والإنکسار ینفی وقوع التواصل . أو بمعنى آخر ، إنه لما کان لا وجود لـ "أنا" دون وجود "أنت" ، فإن العلاقة بینهما  تفجر عملیة التواصل ، تلک التی لا تتم إلا فی وجود خطاب معین (10).

وإذا کان النسق یقوم بعملیة التواصل وفق عملیة المعاودة والتکرار، فإنه بالتالی تکون له القدرة على "معاودة الدخول Reentry" فی ترکیبة الذاتی، وهو ما یجعلنا نمیز هنا بین ثلاث مرجعیات الأولى داخلیة والأخرى ذاتیة والأخیرة خارجیة. فالنسق یستطیع أن ینتقل من حالة إلى حالة، أو من جهه إلى أخرى فی کل وأی لحظة، وهو ما یتم من خلال عملیات داخلیة تنفی عملیة التأرجح بین المرجعیة الذاتیة والمرجعیة الغریبة، وهو ما یتضح بالطبع فی عملیة إتخاذ القرار التی تلعب الذات داخلیًا وظیفة المراقب على هذا الأمر(11).

وحیث أن هذا البعد یحمل حالة من الیقین، وهو ما یتم  عن طریق تفعیل مفهوم الفعل المنعکس الذى تؤدیه الشبکة، فإننا نکون هنا بصدد إطلاق للعوامل الداخلیة حتى تلعب أدوارها الفاعلة فى عملیة التحلیل. فمن خلال المراقبة والاستعارات والرموز والتمثل والتمثیل یتم تأسیس القواعد المرجعیة والبناء النظرى للمعنى لدى المشارکین فى العملیة الاتصالیة، والتى تحضر المراقبة فیها بشکل جلی، لتعزیز عملیة التواصل وإبلاغ المعلومات وانجاح الفهم وتحقیق الممارسة الحقیقیة،  وهو ما یجعل البعد الخارجی حاضرًا فی هذا الوضع(12).

إن المدقق فیما طرحناه قبل قلیل، یجد أن النظریة الراهنة تستند مثلها مثل بعض نظریات مابعد الحداثة إلى الجوانى واللغة کرکائز أساسیة، إذ من خلالهما یتم التفاعل وعملیة الابلاغ والفهم. فاللغة بحسبانها ظاهرة اجتماعیة لا تعتمد على الکلام ودلالاته وحسب، وإنما على نقل الافکار وابلاغها، تلک التی تتزامن مع العملیات النفسیة الداخلیة، وتسعى إلى خلق واستنساخ النظم الاجتماعیة، وهو ما یجعل الاجتماعی ها هنا یتضاد مع النفسى. وحیث أننا هنا حسب "لومان" نمایز بین ما هو داخلى وما هو خارجى، إذ یرتبط الأول بالنفس، والآخر یرتبط بالبنیة، فإن تدفق المعلومات والتواصل یساهم فی تشکیل النظم الاجتماعیة الأخرى، فضلاً عن إستنساخ النظم الفرعیة، إذ تکون اللغة هى البطل والفاعل المحوری فی تشکیل الوعى وإعادة إنتاج الذات لذاتها، وأخذ القرارات الإنسانیة، وهو ما یجعلها لا تنفض یدیها من مسألة الإحتمالات فى إطار مفهوم الصح والخطأ (13) .

ولئن کان القرار وفق الفائت، یعد شکلاً من أشکال التواصل، فإننا نشیر إلى أنه یحمل معنى ثنائیاً، الأول هو البلاغ والآخر هو التقریر. ولما کان البلاغ یتعارض مع القرار الذى هو اختیار بین بدائل ممکنه من أجل تحقیق الانتظام والاستقرار، وبالتالی فهو منوط بتحقیق وظائف محددة، فإن الأول یأتی تتمة للثانی من أجل فرض "الیقین" الذى یفرض ذاته على القرارات وما بها من معلومات حقیقیة(14) .

ومادام القرار یقوم بالوظائف المشار إلیها قبل قلیل، فإن " لومان" یطرح تساؤلاً مرکبا آخرًا مهماً مؤداه : من المسئول عن اتخاذ القرار فى داخل التنظیم، وهل هذا القرار یراعى فقط ما یثور بداخلها ، أم یلتفت أیضاً إلى ما تتعرض له المنظمة من أحداث فى خارجها؟. وللإجابة على هذا التساؤل، فإنه فی البدایة یدفع  بضرورة مراعاة توقعات سلوک الأفراد فى الداخل ، وما ینعکس على هذا السلوک من اختیارات وتأثیرات على الصعید الخارجى؛ وهو ما یرتبط أیضاً بإختیار مجموعة من الآلیات والطرائق التى تتناسب مع طبیعة وظروف المنظمة ، وطبیعة ابلاغ القرارات والمستویات التنظیمیة التى تمر بها، ناهیک عن أهمیة أن یأتى القرار متناسبًا مع طبیعة المکان (أفقیا ورأسیا)، ویراعى طبیعة المواقف والثقافة التنظیمیة السائدة، وهو ما یفرض بالتالی ضرورة وجود ما یسمى بـ "البدائل الممکنة" التى من شأنها أن تعدل من طبیعة القرار وتطبیقه وظروف المکان والزمان والبیئة، ذلک ما یسمیه لومان "بحساب التفاضل والتکامل" التی تفرضه عملیة الادراک والملاحظة والمراقبة للاحوال الخاصة بالموظفین والعاملین والقیادة فى أى منظمة (15) .

وحیث أن "لومان" هنا یشدد على ضرورة المراقبه الداخلیه والخارجیه على الفاعلین الثلاثة السابق الإشاره الیهم " تواً " ، فإنه یلح على ضرورة وجود خطوط اتصال قویة بینهم، وهو ما یمتن عملیة الارتباط بینهم من جهة، وبین المنظمة من جهه ثانیه، والبیئة الخارجیة من جهه ثالثة. ففی ضوء هذه العملیة، فثمة مفهوماً آخراً یطرح نفسه، ذلک الذى یصفه "بالتمییز" أو الإختلاف فی إنتاج "المراقبین" الذین من خلالهم یتم استنساخ القرار وتحقیق التواصل وإنجاز الأهداف (16).

وإذا کان التواصل فى إطار أى شبکة اجتماعیة، یساهم فی عملیة إعادة البناء، فإن فکرة التفاعل الانعکاسى تأتی فی هذا السیاق "على عکس فکرة " المرایا " ، إذ تکون عملیة الاتصال غریزیه، بضمان أن یکون الفرد مشارکاً ومراقباً فى الوقت عینه، وهو ما یشدد علیه لاتور(1988) وفولجار(1988) اللذان منحا الذات البشریه القدرة على إیجاد المعنى والتکامل النشط أو المفرط ، ومن ثم یتباین فی الوقت عینه عن مفهوم الفعل التواصلی لدى هابرماس(17).

ومع أن التفاعل التواصلی فى هذه العملیه یتوافق بشکل تام مع ما یحدث فى إطار مملکة النحل، فإنه یأتى لکى یحقق البناء وفق عملیة غریزیة بحتة ، وهو ما یتحقق فى ضوء وجود ثلاثة عناصر رئیسة هی: المعلومات والرسالة والفهم ، تلک التى تسمح بعملیة استقبال وضخ المعانى ودورانها واتساع سقف التوقعات من خلالها؛ ومن ثم زیادة مساحة التفاعل بین الذوات الإنسانیة أو ما یسمى بالتذاوت. فمحتوى المعلومات المتوقعه من الاخبار المتبادلة فى إطار الشبکات الاجتماعیة، تجعل من الیقین أساساً مهماً فى تشغیل وتنظیم الأدوار بین عناصر الشبکة ، ناهیک عن جعل رد الفعل دائماً فاعلاً موجوداً ومتعقلاً، لکى یساهم دوریًا فى إعادة هیکلة النظام وتنظیم الأدوار ذاتیاً، وتفعیل العلاقات الدینامیة وهو ما یطلق علیه "بالفعل المفرط فى الانعکاس" الذى یضمن عملیة تبلیغ الاحداث والمعانى والتوقعات، ویجعل عملیة التواصل تتم على صعید الأخبار والمعنى (18).

ثانیًا: المعمار النظری للنسقویة الجدیدة:

باعتبار أن کل تأویل هو تأویل مغلوط ، وأن الفاعل یصنع الشرط المناسب للتحقق المیدانی من صدقه، فإن النظریة النسقویة الجدیدة تأتى کجهد بنائی لترکیب معان جدیدة وصادقة من خلال قراءات مفتوحة لفضاءات معرفیة متعددة، ذلک الذى یجعلها تستند إلى مفهوم جدید للنسق یتباین عن المعنى الکلاسیکی له(19).

ففی إطار فهم وتناول "لومان" له فإن الفاحص له یجده یتباین عن مفهوم وطبیعة الأنساق الوظیفیة ، أو ما یسمیه هو "بالمجالات الإجتماعیة الجزئیة" التی تتحدد فی نسق السیاسة والإقتصاد والتربیة والقضاء.... إلخ، ومن ثم یکون لکل منها وظیفة محددة  ، مثل صیانة القواعد القانونیة فی النسق القضائی ، وإتخاذ القرارات الملزمة للجمیع فی النسق السیاسی ، والقیام بعملیة التبادل والتوزیع والإنتاج فی النسق الإقتصادی . والملاحظ هنا أن بعد " لومان " عن الشکل الکلاسیکی لمفهوم النسق أو قل الشکل المعتاد له، جعله یتوکأ على مفهومات تتسم بالإتساع والإنفتاح والشمول مثل: التواصل والتمییز( الاختلاف ) والتکوین الذاتی والمراقب والمراقبة والأنساق الإجتماعیة والنفسیة والبیئیة(20).

وفی إطار معانى المفهومات السابقة یسعى " لومان " للتمییز بین النسق والبیئة المحیطة . فحیث أن النسق یتکون من کل ما یحیط به، ویخلق  حاجاته الذاتیة ، ویتم التعرف علیه من خلال حدوده الذاتیة، فانه لا یخضع للبیئة الخارجیة ویستقل أیضًا عنها . أو بمعنى آخر أنه حینما یعتمد فی بقائه على الغذاء الذی یأتی من البیئة الخارجیة، فإن تطوره و نموه وبقائه یعتمد على ما یتم بداخله من عملیات (الدورة الدمویة مثلاً) ، وهو ما یجعل النسق یتسم بالإنفتاح والإنغلاق فی آن.

وإذا کانت النظریة النسقویة تعتمد على البنیة الداخلیة فی تنظیم ذاتها، حیث تتسم بالإنغلاق، فإنها فی الوقت نفسه تتمتع بحریة التصرف سواء فی إطار الماضی أو الحاضر، وفی جلب ما یحقق صیرورتها وهو ما یجعلها منفتحة على الخارج الذی تتمایز عنه. إن قیام النسق بعملیة التمییز بینه وبین البیئة ، وتحدید العملیات النوعیة الخاصة، وهو ما یطلق علیه "بالإنغلاق العملیاتی"، یجعله یتباین عن أصحاب نظریة النسق المفتوح. أو بمعنى آخر، أن النسق حینما یعتمد على ذاته فی تفعیل عملیاته داخلیًا ولیس على البیئة الخارجیة کما یؤمن به أصحاب النسق المفتوح ، فإن عملیاته من البدایة إلى النهایة وتفاعلاته الجوانیة تتم بشکل داخلی، وهو ما یصبغه بالإنغلاق(21).

ومخافة أن أکون قد إمتنعت عن التوضیح فیما تقدم فأرجو ألا یفهم البعض أن العلاقة بین البیئة والنسق منعدمة. فالحقیقة أن ثمة قنوات تربط بینهما، وهو ما یتحدد بالأساس نتیجة إختزال التعقید الذی یکمن فی تأثیرات البیئة على النسق أو ما یسمى بشروط "المعایشة" و "الفعل"، والتی وفقًا لشروطها یکون النسق الجزئی هو فاعل فی النسق الأکبر، أو فی مجموعة من الأنساق ، ومن وجهة أخرى یکون ذاته فاعلاً متفوقًا من الناحیة الفکریة والمهاریة والتخطیط فى النسق الواسع أو الأکبر(22).

وإستکمالاً لطبیعة البناء المعماری لهذه النظریة ، یتبقى لنا أن نوضح أن " لومان " یمنح النسق القدرة أو "المُکنه" على بناء عملیاته الذاتیة، إذ وفقا لها یمنع استیراد أی شئ لبنائه ، وهو ما یجعل ذاته قادرًا على تشکیل البنى الذاتیة له عبر عملیاته وقدراته ، وهوما یعنی أن التنظیم الذاتی هو الذی یوجد وحسب، ومن ثم هو الذی یحدد عملیاته التاریخیة والحاضره والمستقبلیة (23).

وحیث هو کذلک، وحتى یتم استخدام التظیم الذاتی، فإنه یتم تفعیل مفهوم التوقع أو التنبؤ کأساس لتعریف وتأسیس البنى المعاشة أو الفعلیة وإختزال التعقید. فالنسق لا یستطیع إنتاج عملیاته الذاتیة بعیدًا عن شبکة عملیاته الذاتیة التی هی من إنتاج عملیاته الداخلیة التی یقوم بها. وباعتبار أنه ینتج ذاته فهو لا یقوم بإستیراد أیة عملیة من البیئة ، ذلک ما یجعل عملیة إنتاج الخلایا والعناصر المکونة له تتم بشکل دائری ، وهو ما یحدث من خلال ما یسمى "بالتطبیق الذاتی أو الممارسة الذاتیة Auto praxis(24).

وإذا کان أی نسق یقوم  بإنتاج خلایاه وعناصره المکونة له ، فإنه ینتج أیضًا نظامًا للتشویش على ما یصاب به من إرتباکات أو خلل، وهو ما تقوم به المعلومات التی یتم إنتاجها بطریقة ذاتیة من جوانبه النسق ذاته . فبإعتبار أن النسق یحظى بقدرة ذاتیة على التکوین المنظم ، ومن ثم إعادة الإنتاج ، فإنه ینتج على الدوام عملیة الترابط البنیوی الذی یتعامد مع التکوین الذاتی لکى یتخذ کل الأشکال الممکنة ، أو قل لإحداث ما یسمى " بالتوافق " فی داخل الکائن الحی .

وباعتبار أن الترابط البنیوی یحدث التوافق فی جوانیة الکائن الحی، فإن هذه العملیة تتحقق وفق نحوین ، الأول حینما تختفی عملیة الترابط البنیوی داخلیًا، والآخر یترتب على الأول إذ یتم بطریقة إنتقائیة، حینما یستشعر النسق بإختفاء الترابط بالأساس. وأحرى بنا أن نسجل هنا فی إطار هذه العملیة یتم الإستعانة بأشیاء ویستغنى أو یقصی عناصر أخرى بما یخدم بقاء أو الحفاظ على النسق. ولئن کان ما سبق یشیر بشکل مباشر إلى عملیة إختزال التعقیدات أو التشویشات أو إزالة القلاقل التی تهدد النسق ، فإنها بصورة مباشرة تساهم فی تعیین الترابط البنیوی، وهو ما یتم من خلال عملیة الوعی واللغة والتواصل الإجتماعی.

وحیث أن " لومان " هاهنا یربط بین مفهوم التشویش وتحقیق التوازن مثله مثل الکلاسیکیین ، فإنه فی الوقت عینه یختلف عنهم ، إذ یستخدم المفهوم فی معالجة المعلومات التی من خلالها یتم إبعاد کل ما یعوق تفعیل التفکیر والوعی وتحقیق التواصل ، و هو ما یفرض بالتالى على النسق أن یتحلى بالعقلانیة التی هی فی النسق ذاته ولیس فی العالم الخارجی . فالعقلانیة هنا هی عقلانیة العقل أو عقلانیة التواصل(**)، التی حتى ینطلی علیها المفهوم ویتلبسه ، فلابد وأن لا یمنح البیئة (أو بما یحدث فی البیئة) أی سلطة، ومن ثم لا یستجیب لإحداثها وفعالیاتها، وهوما یعنی بالأساس إلى إمکانیة إستبعاد البیئة وضمها ووضعها فى الاعتبار فی الوقت عینه (25).

وإذا کان الکلام السابق یشیر إلى ضرورة رفض الإنحباس وراء صورة وطبیعة البیئة الخارجیة، فإن من الخطل أن ندیر ظهورنا لها، وإنما یتوجب أن نعی ما یحدث فیها ومنها ، وهو ما یضمن وجود أو حضور البیئة واستبعادها فی الوقت عینه . ولکن حتى یحدث ذلک، فلابد وأن یتسم النسق بالرخاوة أو اللین ، وأن یرتبط فیها کل شئ بکل شئ، وأن یتحقق الإرتباط الجدلی الذی یجعل النسق توازنه ویجدد ذاته ویبحث عن الإستقرار ویبتعد عن الضغوط والتوترات ویحتوی الإضطرابات أو الخلل(26).

ولما کان لکل إطار معرفی مجموعة من المفاهیم التی تمثل إطاره النظری وإستناداته وتوجهاته، فإن ثمة جهازًا مفاهیمیًا جدیدًا یتفتق عن التحول الذی أصاب هذه النظریة وجعلها تتباین عن الوظیفیة التقلیدیة، ولعل أهمها:

1-   مفهوم الأنتروبی Enteropie(***):

حتى یمکننا تبیان التطور الذی لحق بنظریة الأنساق ورسم حدودها فی صیاغة نظریة جدیدة، فإنه من الضروری الإشارة إلى النظریة الموسومة بأنساق المراقبة أو السبیرنطیقا الجدیدة New cybernetics(****)، التی من خلالها یمکن التمییز بینها وبین النظریة الکلاسیکیة فیما یتصل بالخروج عن الخط التقلیدی لها الهادف إلى تحقیق التوازن وحسب.

وحیث أن التوازن یشیر إلى إمکانیة وجود خلل واضح  فی النسق، فإننا نکون بحاجة إلى ضرورة تعیینه حتى یمکننا تنظیم العلاقة بین مکوناته لتحقیق الإستقرار، وهو ما یفرض أن نستبدل فکرة الأنساق المغلقة بأخرى لکی تکون مناسبة فی تفسیر أسباب غیاب الأنترویوبیا أو الإعتلاج، ومن ثم إستمراریة بقاء النظام(27).

2-   مفهوم الزمن:

وفقًا لمفهوم الزمن یتم وصف المجتمع والنسب الزمنیة وطبیعة الإختلاف بین المستقبل والماضی ، أو التمییز بین المتحرک واللامتحرک أثناء الفترة الزمنیة عین الإعتبار، وهو ما یعبر عن الأشکال المستقرة أو المتحرکة فی إطار المجال الإجتماعی ، والذی علیه یمکننا أن نمیز بین المستقبل والماضی والحاضر، أو ما یسمى بتفاضل دالات الماضی والحاضر والمستقبل، أو تعیین المسافة الزمنیة بین الماضی والمستقبل وما یحدث بینهما من تباین.

إنه حسب ذلک، فإننا یمکننا إدراک الحاضر بحسبانه نقطة تحول أو فترة غیاب عن فعل أی شئ، أو باعتباره ظرفًا حتمیًا وزمنیًا قصیرًا یتیح تحقیق الفعل فی إطار لم یأت بعد، ویسقط الزمن بشکل إنعکاسی (28).

3-مفهوم التواصل:

لا غرو أن التواصل یعد من المفاهیم الأکثر إهتمامًا وتجاوبًا وجدلاً فی الثقافة الألمانیة بشکل عام وعلم الإجتماع الألمانی بشکل خاص، إذ یمثل لدى هابرماس ونیکولاس لومان نقلة برادیجمیة لوصف وتشریح البناء الإجتماعی، وهو ما یجعله مفهومًا یتسم بالتشویش والإرباک، خاصة حینما یتماس أو یترادف مع دلالات مفاهیم أخرى مثل الإیصال والإتصال والوصل والإبلاغ والإخبار والتخاطب والحوار. وبعیدًا عن کل هذه الإصطلاحات، فإن المقصود به هو ذلک النوع من التفاعل بین أکثر من شخص والذی یتم عبر الألفاظ واللغة والرموز والإشارات لنقل الخبر أو إیصال المعلومة بهدف إما إثارة التوتر أو تخفیف الصراع(29).

4-   المراقبة :

یستطیع النسق أن یمیز ذاته بذاته عن البیئة، وهو ما یولد عملیة الإختلاف التی تتولد نتیجة وجود عملیات أخرى متسلسلة، تلک التی تتم عن طریق التواصل والترابط أو ما یمکن أن نسمیه " بالمراقبة الذاتیة " ، وهو ما تنتجه بشکل طبیعی عملیات التواصل اللغوی. وإذا کنا نتحدث عن المراقبة، فإن هذه العملیات تفرض وجود مراقب، الذی یمکن الوقوف على دلالاته من خلال المقطع التالی: "...... المراقب هو نسق یتکون عندما لا تکون عملیات کهذه مجرد أحداث مفردة ، بل تعاقبات بشکل مترابط ویمکن تمییزها عن البیئة..... إنها عملیة لا تقع إلا بشکل طارئ وفی لحظة معینة....... إنه لا یظهر فوق الواقع ، ولا یحلق فوق الأشیاء ، ولا ینظر إلى أعلى أو إلى ما حدث ، کما أنه لیس ذاتًا موجودة خارج عالم الأشیاء ........ إنه یراقب عملیات..... وإنه بذاته عملیة ، فلا وجود له إلا بوصفه عملیة ، وهو کیان یتشکل من ترابط سلسلة من العملیات..... لا یمکنکم مراقبة أنفسکم بوصفکم تقومون بالتمییز، بل یتعین علیکم جعل أنفسکم غیر مرئیین عندما تریدون القیام بالمراقبة.... یجب أن تکون لدیکم القدرة على القیام بالتمییز بین المراقبة وما یتم مراقبته ....... إنکم تراقبون شیئًا ما یختلف عنکم..... یتعین على المراقب أن یختفی........ النسق الإجتماعی یراقب أنساقًا نفسیة ، والأنساق النفسیة یمکنها أن تراقب أنساقًا إجتماعیة.........."(30).

وحتى نستکمل فهمنا لکل الدلالات والمعانی المقترنة بمفهوم المراقبة ، فإننا ندفع أیضًا بأنه من الأهمیة بمکان هنا أن یکون للمراقب مراقبین آخرین ، أی أن یکون غریبًا حینما یراقب نفسه ومراقبًا لذاته حینما یراقب نفسه إذ یتخذ من نفسه مرجعًا لنفسه ویحلل ذاته من ذاته وبذاته. وحیث أن ما سبق یجعلنا أمام نوع من المراقبة الداخلیة (المراقبة الدنیا)، فإن هناک نوعًا آخرًا من المراقبة الخارجیة (المراقبة العلیا) التی تجعلنا فی الوقت ذاته مراقبین للمجتمع ، شریطة أن تصف ما یحدث فی کل جوانب المجتمع ، وهو ما یجعلنا بصدد إزدواجیة فی الوصف(31).

ولکی یمکننا أن نلم بکل أطراف المراقبة وطبیعتها، فمن الاهمیة بمکان أن یتم مراعاة مراقبة آلیات التخطیط وکیفیة تحقیق ومراقبة حالات الاستقرار، وتعیین عملیات التعقید ورصد عملیات المغایرة و تعیین المستویات المختلفة فیه ، ذلک الذی یجعل المراقب (النسق) جزء من عملیة النسق ذاته ، وجزء مما یراقبه وأداة لمراقبة المراقبات (32).

5-   مفهوم المعنى:

باعتبار أن المعنى وجود ناقص نحاول أن نجده ، فهو إنتقاء إجباری لمجموعة من فوائض الإشارات التى تدمغه وتوضحه، وهو ما یتجلى من خلال التأویل المرتبط بالمعنى والتفسیر والتوجه إلى النص، الذی یحدده الإنتقاء الإجباری الذی یفرضه عملیة التفسیر. وحیث أن المعنى هو تقنیة لا تتناسب مع مفهوم التعقید ، حیث إدارة المعنى وإفهامه ، فإن الإختیار له یجعل المعلومة دون غیرها قد تم الإشارة لها بطریقة إجباریة.

إن المتأمل هنا لإختیار المعنى هنا یجده یتضمن نوعین من القهر ، الاول هو نوع من الوعی أو التواصل یجعلنا نسوق الحجج داخل ووسط المعنى وفق البعد الموضوعی الذی یتحلى به المراقب بطریقة ذاتیة ، والآخر هو مایتغلغل إلى ما هو داخلی وما هو خارجی، وهو ما یکشف عنه کلام " لومان " ، إذ یقول: "....... فکل ما یتم التعرف علیه یمکن أن یتمایز نحو الداخل والخارج ، وهذا یتکرر فی الداخل کما فی الخارج بحیث نجد شیئًا فی الداخل یمکن أن یدرس من داخل ومن خارج ، کما یمکن أن نجد فی الخارج شیئًا یمکن أن یتمایز نحو الداخل والخارج ، إذ یمکننا هنا إنطلاقًا من الأنا والأنا الأخرى أن أفکر بأن أبدأ بنفسی ، ومن ثم أفکر بأنا " وأن الآخر بدوره  " أنا " ، ویرى أننی " أنا " مختلف بالنسبه له ، إذ أنا موجود بداخلی بشکل مزدوج بوصف " أنا " أخرى...." (33).

6-    مفهوم الأنساق النفسیة الإجتماعیة:

تتعارض عملیة الفصل بین الأنساق النفسیة والإجتماعیة مع معقولیة الخبرات التی یکتسبها الفرد فی الحیاة الیومیة. فالأنساق تتحرک ذهابًا وإیابًا ، وهو ما یجعلنا نمایز بین إنغلاق العملیات والإنفتاح السببی ، الذی یجعل النسق نسقًا ذاتیًا من حیث المرجعیة ، وبالتالی یحدث التوافق بین النظریة وفکرة التکوین الذاتی، أو ما نسمیه بالترابط البنیوی بین النفسی والإجتماعی، الذى من خلاله یحدث التواصل الذی یتم تحفیزه بوصفه وعیًا ذاتیًا ، وتکون اللغة فیه هی الفارس فی تحویل العالم الخارجی إلى وعی أو خبرة ، وهو ما یفعله بالطبع مایسمى بالإدراک(34). إنه من خلال عملیة التواصل بإعتبارها عملیة إجتماعیة قحه، نضمن الحضور المتزامن للتفاعلات النسقیة والوعی بالکون الذی تکون له تضاعیف واضحة فی الإبلاغ وإنتاج المعرفة الفائضة (الإسهاب) وتفعیل الإنتقاء، وکذا حدوث الفهم وتثبیت المعلومة، ینفی حدوث إغتراب الذات وتأسیس المرجعیة الذاتیة التی تتجلى فی وعی الذات(35).  

 ثالثاً : لومان والنظریة الاجتماعیة .

بحسبان أن " لومان " أحد المنشقین عن روافد الفکر المثالی الألمانی ، فأنه یقترب فی قناعاته إلى مدرسة مابعد الحداثة الفرنسیة ، وهو ما یتضح بشکل لا مراء فیه من موقفه المضاد من الأطروحات الکلاسیکیة، وتحدیداً من البنائیة التقلیدیة والوضعیة التى سیطرت على العلم لآماد طویلة . وحیث هو کذلک، فإنه یتساوى مع مفکرى النظریة النقدیة "مدرسة فرانکفورت" ، وخاصةً أبرز مفکریها المعاصرین مثل "یورجین هابرماس" الذى دار معه جدلاً طویلاً حول طبیعة وفحوى نظریة الفعل التواصلی ، و " دانیل بیل " الذى صک مفهوم مجتمع ما بعد الصناعة، و" بیک" صاحب مفهوم مجتمع المخاطرة ، و" لیوتار " الذی نحت مفهوم مجتمع ما بعد الحداثه (36) .

وبید أن " لومان " قد توشجت روابط نظریته مع مفکرى ما بعد الحداثه والحداثة المتأخرة ، إلا أنه لم ینفک عن أوائل السوسیولوجیین ، خاصةً أصحاب نظریات الفهم والنظریات العضویة والمشایعین للنظریة الداروینیه ، وهو ما سمح له بتقدیم فهم جدید للمجتمع الانسانی والذات البشریة بحسبانها واقع بیولوجى ونفسى یخضع للمراقبه الذاتیه والاستنساخ ، وینبذ الافکار المسبقه والافتراضات ، ویعج بالممارسات التی تنفی عملیة انفصال الذات عن الموضوع .

ومع أن الطرح السابق یأتى فى إطار مخاصمة الوضعیة التى تضع فاصلًا کبیرًا بین الذات والموضوع ، فإنه یفضح عن رادیکالیة واضحة ترتبط بالأحرى بما یسمى ما بعد الوجودیه التى ترکز على ملاحظة الذات لذاتها ، والتشکیک فیما هو قبلى أو افتراضى ،  ناهیک عن جعل الذات تقترب من الممارسة الذاتیه وتعید إنتاج نفسها والشبکات الاجتماعیة عن طریق الفهم فى سیاق العملیات التواصلیة .

وحرى بنا ان نوضح أن  ارتباط النسقویة باالأفکار النظریة السابقة ، جعلها تفرق بین النظام الوظائفى ( المرتکز العضوى) والنظام التطورى ( المرتکز المسیحى – الهیجلى). فمن خلال افتراضاتها فإن لومان یرى أن ثمة تحولا  طرأ على مفهوم النسق System الذى کان یتم فهمه وبحثه من خلال العلاقة بین الأجزاء المکونة للنسق وبین الکل الذى یؤلف المجموع. ففى إطار هذا التحول یتم فهم النسق بحسبانه علاقات بین النسق ذاته ومحیطه، وهو مافرض علیة اشتقاق مفهومى ریئسیین هما التعقید أو الترابط الاصطفائى بین عناصر البنیة ، و التمایز أو إعادة إنتاج التمایز بین النسق ومحیطه فى داخل النسق ذاته.

أنه حسب هذا الفهم التطورى الذى یتأسس على التمایز والتنوع  والتصنیف التراتبى ، فان " لومان "  ینبذ المساواة بین الأنظمة الفرعیة ، وهو ما جعله یستند على التمایز الوظائفى الذى ینظم التواصل والعلاقات بین الأنظمة الفرعیة ، ومن ثم یجعل لکل نسق فرعى وظیفة خاصة تمیزه. ومع أن "لومان" یفرق بین هذه التمایزات الثلاث، إلا أنه یرى أنها غیر مستقلة عن بعضها البعض، إذ تتداخل وتترابط ، الأمر الذى یجعل لوظیفة معینة أفضلیة مؤقتة عن الأخرى، وبالتالى تمسى الذات الإنسانیة نتاجا للمبدأ الوظیفى الذى یختزل التعقید المجتمعى، و یصبح التمایز الوظائفى انتزاعا لکل معنى إنسانى .

ولئن کان " لومان " یکشف عن تمایز بنیة النظام التی هی نواة مغلقة للهویة، وتنمو دون أى عائق ، فان قدرتها تصبح فائقة على الإستقلال والتکیف مع محیطها الخارجى الذى یأخذ صفة التعقید على طول الدوام، وهو ما دفعه إلى وجود فروق ساطعة بین المعنى الفردی والمعنى الشامل، فبرغم أن الفردى هو جزء من محیط النظام أو الکل ، إلا أنه لا یتأثر بأطره المرجعیة، وهو ما یجعل العلاقة بین المعنى (أى معنى النظام) ووعى الفاعل الاجتماعى غیر متحققة(37).

وحتى نستجمع کل خیوط وأفکار هذه النظریة، فإننا آلینا أن نشیر إلى أن لومان یعتبر عملیة العمل هی المجال العام والخاص فى آن لکل المؤسسات الاجتماعیة، التی من خلال تفعیل الفهم فى داخل وجودها یکون الفرد هو الوحده المشکله له، والقادر على تحدید الهویة الخاصة بها، وما یطرأ علیها من تطور تاریخى، وتعیین  الاحداث المتلاحقة ،وهو ما یفرض أهمیة تفعیل الجینولوجیا للتمییز بین الوحدات فى ضوء حقبها الزمنیة ، ناهیک عن رصد العملیات والأفکار والعلاقات المؤسسیة التى تهیکل هویتها وتحدد طبیعة الشبکات الاجتماعیة بها(38).

إنه بقول آخر، أن " لومان " حینما یهتم بالبنیه الخاصة بکل وحدة، فانه یهدف من ناحیة اخرى الى وضع القسمات التی تمیز کل واحدة منها، وهو ما یسمیه بالتنوع الانطولوجى أو الوجودى . وحیث هو یهتم بالتنوع والإختلاف ، فإنه فى الوقت عینه یضع نصب عینیه على ما یرتبط بالتمایز بین البنیات الاجتماعیة ودلالاتها، تلک التی تجعل المجتمع _من وجهة نظره_  یتشکل من الأفراد الذین ینتمون إلى بنیات محددة، ومن العلاقات التى تسود بینهم ، وبعملیة التواصل التى من خلالها یتجسد شعور الفاعل الذى یسعى على الدوام إلى الاختلاف .

أنه حسب هذا المعنى فإن " لومان " یرى أن أی ذات بشریة ترتبط جوانیًا بأى نظام اجتماعى ، وهو ما یعزز فکرة وجود خطاب یشترک فیه الناس جمیعاً ، وبالتالى تکون المعانى نوع من الخلق والفهم فى آن، وأن الاخبار أو نقل المعلومات هى أساس التواصل فى إطار الوجود المعاش. فباعتبار أن العلاقات التواصلیة تفرض الأنشطة الانسانیة ، فإن الناس یتفهمون شروط وجودهم وطرائق حیاتهم وعلاقاتهم مع الآخرین ، وهو مالا یتأتى إلا من خلال التفکر والحوار والفهم لکل ما یدور فى المجتمع.

أن الرائى لهذه النظریة وفق ما تطرحه، لایستدل منها على أن النظام هو نتیجة لمعاییر سابقة ، أوحتى  محصلة تطور طبیعى فى المجتمع ، وانما هو تتمه لعملیة الانعکاس الذاتى لطبیعة العلاقات مع البیئة المحیطه ، الأمر الذى یکون أى نظام فیه مستقل عن الآخر، بل ویتمایز عنه. وبید أن الأنظمة تتباین عن بعضها نظراً لطبیعة عملیة التواصل التى تتم بین الناس من جهة وبین البیئة المحیطة من جهة أخرى ، فإن " لومان " یذهب إلى أن البشر ماهم الا العناصر المکونة للنظم الحیة التى تتأسس من خلال اللغه والتى عبرها یتم التواصل و ارسال المعلومات وتوقیع فهم کل منا للآخر( 39) .

إنه حسب  المعلومة والفهم والفرد ، فان الشعور أو الإدراک ولیس الوعى، هو البطل فى ذلک ، وهو ما یجعل الانسان مجموعة من النظم النفسیة والعصبیة التى تنسج العلاقة بین الإنسان وغیره والبیئة المحیطة، وهو ما یسمیه " بالارتباط "، الذى یلعب التواصل فیه دورًا محوریًا، و یسأل دائمًا عن انتاج وإعادة انتاج القیم والأفکار والمعتقدات والمرجعیات الخاصة التى هى شرط من شروط الوجود الانطولوجى (40) .

وحیث أن "لومان" یحاول أن یصک مفهوماً جدیداً وشاملاً لعلم الاجتماع یتباعد عن الفهم الکلاسیکى للنظریة الاجتماعیة حول مفهوم النسق ، وکذا عن مفهوم الاجماع الذى صاغه هابرماس(*****) ، فإن من خلال مایقدمه نجده یسعى إلى إسباغ نظریته بنکهه ثوریة على صعید المعرفة ، وهو مایتجلى فى اتخاذه من الفهم والمعلومات آلیتین لتحول المجتمع الذی یعج بالتناقضات إلى آخر خال منه .

وبید أن " لومان " یحاول أن یجد صیغة جدیدة لعلم الاجتماع ویثور المعرفة العلمیة من کل ماتقدم ، فإنه فى الوقت نفسه یرید أن یمنح البحوث الاجتماعیة نظاماً خاصًا وذاتیاً یتفارق به عن الأنظمة المعرفیة الأخرى ، وهو ما یتحقق فی الإهتمام ودراسة ما هو عام وخاص فى آن. وحتى یضطلع بهذه المهام فإنه یشدد على ضرورة أن یجعل الفکر والممارسة وحدة معرفیة واحده تسعى إلى الکشف عن المعانى والدلالات التى یمنحها أى نظام لنفسه، ناهیک عن الکشف عن الوحدة العضویة بین أی نظام، وما یتمتع به من استقلال ذاتى وتمایزه عن بقیة مکونات الأنظمة البنائیة الأخرى. ولئن کان یشدد لومان على الوحدة المعرفیة لعلم الاجتماع، فإنه ینادى أیضاً بضرورة إعلاء شأن وظیفته النقدیه ، وهو ما یتحقق بالضرورة من خلال إستدعاء الابداع والحریة وتجاوز الموروث وتفعیل مفهوم التفکیک ، الذی من خلاله یتم استحضار الذات مرة أخرى لکى تعین معنى الأشیاء ودلالتها وتأتی بالجدید فى ضوء واقعها ووجودها المعاش.

وبإعتبار أن هذا الأمر هو شئ جدید، خاصة فیما یتمثل بإشاحة الشکل التقلیدى لعمل علم الاجتماع والبحوث الاجتماعیة ونبذ العمل مع الوقائع والملاحظات ، فإنه بذا یکون قد أراد أن یتحول العلم إلى الفهم الخاص بعملیة الاخبار والمعلومة والعملیة التواصلیة والأدوار التى تفرضها الشبکات الاجتماعیة والتوقعات ، تلک التى یلعب الفرد دور البطولة المطلقة.

وحتى یمکن للعلم الاضطلاع بکل الوظائف السابقة ، فقد منح " لومان " الذات وظیفة جدیدة تتعلق بمراقبة نفسها، ومراقبة البنى الخاصة بالمجتمع وکیفیة إشتغالها وإعادة إنتاجها فی الوجود ، وکذا تعیین الإرتباطات الرخوة والصیرورات الإجتماعیة شدیدة الإرتباط، وتوضیح طبیعة القرارات وتبعاتها على المستوى النظری والعملی، ناهیک عن البحث عن الشئ ونقیضه فی إطار البنیة المعیاریة للمجتمع ، والتفتیش عن الأشیاء المستبعده فی إطار الذات کنسق والمجتمع کبناء(41).

وإذا کانت النظریة النسقویة تهتم بالأنساق والتواصل أو المعانی التی تحملها عملیة الإبلاغ، وکیفیة معالجتها وتفسیراتها للإعتلاج، خاصة ما یرتبط بتجدید العناصر المهمة فی النسق، والقدرة الخاصة على إتخاذ القرار وإستقلاله بما یتوافق مع الشروط الداخلیة ، فان مفهوم  الصندوق الأسود Black Box  یلعب دورًا مهمًا فیها ، اذ عن طریقه یتم توصیف الحرکة الداخلیة للنسق وتحلیل التشویش وإلارباک والتنبؤ بمخرجاته ، وفض کوامن النسق الباطنیة، (42).

وحیث أن نظریة الصندوق الأسود تساهم فی الوقوف على ما تقدم، فإنها فی المقابل تنفی وجود عملیة الربط Ropplung الجامد أو الآلی أو الحسابی بین عملیتی المدخلات والمخرجات، إذ تسلم وحسب بأن النسق یتوجه دائمًا إلى حدود المدخلات ویفضی إلى أحکام بعینها وقت أن تتوافر مدخلات (معلومات) بطریقة شحیحة ، وهو ما یفرض علیه ضرورة توفیر التحکم أو التوجیه الإجتماعی أو التغذیة المرتجعة Feed back الدائریة أو الدائمة(43).

وحتى یتم تفعیل نظریة الصندوق الأسود، فإنه ینحت ما یسمى بمنهج " الإحتمال المزدوج " الذی یعتمد على تأسیس نموذج یتخذ من المرجعیة الذاتیة أساسًا عملیًا ومبتکرًا للتحلیلات الوظیفیة. ولما کان منهج "الإحتمال المزدوج" هو بالأساس نموذج تدویری(" إذا فعلت ما أرید، أفعل أنا ما أرید")، فإن هذا النموذج یتشکل من خلال التصورات التولیدیة التی یدفع بها النسق الذاتی فی إطار تفسیراته لکل ما یحدث أو یراقبه بداخله أو فی إطار المجتمع. وحیث هو کذلک فإنه یتمتع بمجموعة من الصفات، لعل أهمها:

1-    أن الإحتمال المزدوج لیس نموذج ما قبل_ ما بعد، بل یتعین من خلاله طرح السؤال الذى من خلاله یتم الکشف عن إشکالیة النظام ومتابعة البحث فى کل الشروط التی تؤدی إلى وجوده .

2-    یستند هذا النموذج إلى التوقعات التی ینبغی بنائها أو یسعى إلى تأسیسها، ومن ثم یود تحقیقها.

3-    یسعى هذا النموذج إلى الإجابة على التساؤلات التی تؤدی إلى عدم الإستقرار وکیفیة التغلب علیها.

4-    یتوکأ هذا النموذج على مسألة الإحتمال المزدوج الذى یرفض کل مصادر التصورات أو الرجوع إلى الأصل ، وهو مایجعله یرفض نظریة النشوء والإرتقاء.

5-    أن الإحتمال المزدوج یؤمن بأن الإنشطار بین التغیر والإصطفاء یحصل بطریقة ما ویحث على تشکل البنى وتغیرها.

6-    یبحث الإحتمال المزدوج عن مکان تواجد الموضوع والتوقعات حتى یمکن  انتقاله الى المستقبل.

7-  یتم التمییز فی الإحتمال المزدوج بین الثبات والإستقرار، أو التمییز بین البنى والصیرورات.

8-    یعتمد هذا المنهج على إستخراج العام والخاص، والإنعتاق من السیاق أو تثبیته أو الإعتماد علیه وإعادة إستعماله أو تغییره.

9-    یستند هذا المنهج على أن البنیة أداة معرفیة على الدوام، وهو ما یفرض ضرورة السؤال عنها، والبحث عن الوقائع الیومیة التی تقع خلف الأفعال والعملیات المستمرة، وهو ما تستحضره المراقبة التی ما هی إلا نسق یعمل بذاته لکی یعین ماهیة ماضویة به، أو یشخص اللحظه الراهنة، أویستشرف المستقبل (44).

  إن المدقق فى جماع الأفکار التى قدمها " لومان " یجده قد جاء من أرضیة معرفیة خاصة تنهل فى جانب منها من علوم الأحیاء والنفس والفلسفه ونظریة العمل والتواصل ، بالإضافة إلى استناده إلى مفاهیم ما بعد الحداثة وخاصةً لدى " انتونى جیدنز"، واصطلاحات الحداثة المتأخرة لدى " هابرماس " ، وهو ما نراه جلیًا فیما قدماه حول مفهوم التأویل المزدوج والفعل المنعکس والتحلیل الاستراتیجى والتواصل الاجتماعى (45).

وبید أن " لومان " قد أتفق مع کثیر من الافکار والنظریات السابقة التى عرفها مسرح علم الاجتماع ، فإنه لاینفک عنها أیضًا فیما یتصل بضرورة أن تمد السوسیولوجیا جسور التعاون مع العلوم الأخرى . وأن تزیل الحواجز المصطنعه بین العلوم لإیجاد التکامل المنهجى بین العلوم کلها ، بغیة الوصول إلى نظریة علمیة شاملة تنظر إلى الکل فى ضوء الوجود الإنسانی.

ولئن کان ذلک هو ما یسمیه بسیادة بالمشترک العالمى، الذى یسعى إلى وجود عملیة التواصل النشط بعیداً عن القیود أو الهویات الوطنیة أو حتى الحواجز الجغرافیة التى تفصل الإنسان عن الآخر، فإنه بالتالی یساهم فی وجود وسیادة المستقبل الحیوی والعقلانی للبشریة الذی بالأحرى یستند على التواصل والوحدة والبعد عن التجزئة والانقسام، وهو  ما یجعلنا بصدد ما یسمى بالمجتمع العالمی الجدید الذی یجسد عملیة التنظیم الذاتى والتواصل واستبدال السئ بالحسن، والجدید بالقدیم بعیدًا عن عملیات التذریر والتشرذم والتفکیک(46).

وبید أن عملیة التواصل وآلیاتها المختلفه تلعب دوراً محوریاً فى تعزیز وجود المجتمع العالمى حسب مفهوم " لومان " ، فإنه یشدد أیضًا على ضرورة سیادة مضامین جدیدة له لعل أهمها هو وحدة وتماسک وعدم تنابذ هذا المجتمع ، والتمیز بین العقول والایکولوجیا والأجساد ، وتفعیل عملیة الانعکاس الاتصالى التى تعمل على زیادة عملیة الیقین والثقه والوعى الذى بدوره یمتن من عملیة التبادل والتفاعل بین الانسان وغیره ونهایة عملیات الإستغلال والإنکار، وهو ما تلعب فیه اللغة دوراً محوریاً. فاللغه حسب تصوره تساهم فى سیادة الثقة النشطة بین الناس ، وتعمل بقوه على تدمیر الفوارق بین الأجناس ، وتزید من المشارکة الوجدانیه والتفکیر فى کل المخاطر التى تضرب بقوة فی کل جوانب الکرة الأرضیة.

وحیث أن ما سبق یساهم فی تأسیس ما یسمى "بالمجتمع العالمى النشط" الذى یستند على قیم الحریة والمساواة والتضامن والثقة، تلک التی من خلالها یستطیع تحقیق السعادة البشریة وتذهب بدون رجعة  التوترات والتشوهات والثورات والتفاوتات الاقلیمیة، الحروب والکوارث ، النعرات الوطنیة والفوارق العرقیه والدینیة ، وبالتالى یسود الحب والعاطفة وتزدهر الهویات الذاتیة التی تؤدى فى نهایة الأمر إلى تنمیة ما یسمى بالهویه العالمیه والبعد عن مفاهیم الأنویة والمرکزیة والهویه الوطنیه الضیقة والعنصریة.

وقبل أن نختم کلامنا فی هذا الموضوع دعونا نقول أن ما قدمه " لومان " من نظریة جدیدة، لم تکن کذلک البته، إذ ترجع أصولها إلى اعمال الآباء المؤسسین، وهذا یتوافق مع ما یطرحه حسن مصدق إذ یقول :

" ...نظریة الانساق نظریة اجتماعیة تمتح اسسها من أعمال ماکس فیبر، الذى حاول استقراء مکامن العقلنه فى عالمنا الحدیث، ووظیفیه تالکون بارسونز الذى حاول دراسة مجالات الفعل الانسانى مقرونه بما تؤدیه من أدوار ووظائف ...."(47).

ولکن لا یعنی کلامنا السابق، أن النسقویة الجدیدة لم تتماهى مع نظریة النسق الکلاسیکیة على طول الخط. فعلى الرغم من أن نظریة النسق الاجتماعی الکلاسیکیة تقترن بشکل وشیج الفعل الاجتماعی وقیمه التى تعقلنت وباتت بنیة دینامیة ومستقله بذاتها، فإن " لومان " أراد أن یوسع من امکانیاتها ومجالاتها لکى تدخل فى کل شئ ، إذ یرى أن النظم والمعاییر لا تتحدد وظیفتها فى إطار مهمه محددة لها سلفاً، إذ تکون معاییرها مرهونه بتحقیق مجموعة من الوظائف والمطالب، التى إن لم تحقق فسوف یحکم على مصیرها بالتوارى والفناء، وهو ما یجعله بهذا الفهم قد حاول أن یغیر من معنى النظام الذى جعل الفرد فیه هو البطل الحقیقی، والذى بات فى إطار دینامیکیته هو الظاهرة والموضوع أو الفاعل والمفعول به فی آن .

وإضافة إلى ما سبق، یمکننا الدفع أیضًا بأن رکون " لومان " إلى نظریة النسق الحى والاقتران برؤى البیولوجیا ، دفعه ال أستقطاب مفهوم الفعل المنعکس الذى من خلاله حاول فهم الانسان على الصعیدین المحلى والعالمى. ولئن کان " لومان " یتماهى مع مفاهیم النسق الحى، فإنه یکون أیضاً قد اهتم بالصورة الکلیة لدراسة السلوک البشری الحى فى إطار تفاعله مع الآخر، ذلک الذی سمح له باستدعاء مفاهیم التفاعل التواصلى والمعارف أو المعلومات والاخبار المکتسبة فى العالم المعاش، وجعله بالأحرى یقترب من " هوسرل " الذى اهتم بدراسة الخبرات الخاصة والثقافیة للعوالم الخاصه والتى تدخل مع الآخر فى إطار بیئات مختلفة.

ومع أن مفهوم التواصل لدى " لومان " یرتبط بوضوح بأفکار "هوسرل" خاصةً ما یتصل بالدال والمدلول ولیس بأفکار هابرماس ، لذا نجده یستبدل مفهوم الدلیل والعبارة بمفهوم الخبر والمعلومة، حیث تکون لدیه العباره أسبق من الدلیل، وهو ما جعله یسحب الدلالة إلى مرتبة دنیا ، ویقدم الخبر والمعنى علیها ، ومن ثم یستعیض عنها بالاختلاف الذى هو بمثابة لامرکزة للأنا والمعنى والوجود ، وهو ما جعله یرى أن عملیة التواصل ما هى إلا عملیة أخبار المعنى. وإذ هى کذلک، فهى عملیة مزدوجة تحمل فى طیاتها الإرسال والاستقبال، الذى هو للمعلومة والخبر فى إطار انطولوجیته.

وتتمیمًا لما تقدم، یمکن القول أن إهتمام " لومان " بعملیة التواصل مع الأخر، جعله یعتمد بصورة اساسیة على نظام المعیشه التى هى وفقًا لأفکاره شبکه من التفاعلات بین الفاعلین الذین یؤدون أدوارًا مهمة فى دورات الحیاة، ذلک ما یجعل المجتمع لا یؤدى وظیفه تطوریة للحیاة، بل من هم على قید الحیاة، أو على حد تعبیره أن التفاعلات لا تحدث بین الأموات، وانما تتم فى إطار التنظیم الذاتى للسیاقات القائمة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المراجع:

 (*) یعتبر أومبرتوماتورانا من المهتمین بإیجاد نظریة بیولوجیة تعمل بقوة على إعادة إنتاج الحیاة إعتماد على مفهوم التکوین الذاتی Autopies أو إعادة إنتاج الحیاة بطریقة ذاتیة، إذ تلعب فیها العناصر الخاصة بالنسق الحی دورًا ومحوریًا فی مراقبة الذات لذاتها بطریقة میکانیکیة. راجع فی ذلک:

Broun S.G., Laws of form, Jalian, N.y,1972.

1-  اریک فروم، فن الاصغاء، ترجمة محمود منقذ الهاشمى، منشورات اتحاد الکتاب العرب، دمشق، 2004، ص 14- 15.وایضا:

 

Maturana R., Biology of Language : the Epistemology of Reality : in G. Miller , Elenneberg (eds) , Psychology and Biology of Language and though , Academic Press , N.W., PP.27-63.

2-   Maturana R., Ontology of Observing : the biological Foundational of self. Comsciousness and the physical doman of existence , American society for Cybernetics Conference , 18- 23, oct .1988.

 and too : Francisco V. Autopoisis and Cognition , New Science Library , Poston , 1984.

3-   Luhmann  N ., "the Autopoisis of Social Systems paradoxes" : Observation , Control and Evolution of Social Systems , Sage , London , 1986 , PP. 92- 94.  

4-  نیکلاس لومان، مدخل إلى نظریة الأنساق، ترجمة یوسف فهمی حجازی، منشورات الجمل، ط1، کولونیا (ألمانیا)- بغداد، 2010، ص 12.

 

5-  Leydesdorff L., the Production of Probabilistic Entropy in Structure action Contingency Relation , Journal of Social and Evolutionary Systems , No .18 , 1995 , PP 339-341.

6-  Leydesdorff L , the Challenge of Scient. ometrics : the Development , Measurement , and self. Organization of Scientific Communication, Leiden Unvi Press 1995.

7-  Leydesdorff L, Luhmann's Sociology Theory ; "Social Science Information" , No. 35 , Dswo Press , 1996 , P .283.

8-  Leydesdorff L., the New Communication Regime of Univ. Industry Government Relation , in: H.Ezkowitz and Leydesdorff L., (eds) Univ. and Global Knowledge Economy, Cassel Academic, London , 1997 , PP. 106 – 107.

9-         کلثوم زنینة،مبدأ التواصل فى مرجعیة الادب الرقمى بین التکنولوجیا والفکر الفلسفى ، مقالید ( مجلة ) ، العدد الثالث ، دیسمبر 2012، ص164.

10-    نیکلاس لومان، مدخل إلى نظریة الأنساق ....، مرجع سابق ، ص ص102-104.

11-   Leydesdorff L., the Non-Linear Dynamic of Sociological Reflections , International Sociology , N.12, 1997 , PP. 25 - 27.

12-   Luhmann L ., the autopoiesis of Social Systems .., OP. cit , P. 1972. 

13-   Luhmann L ., the Cognitive Program of Constr Activism and Reality that Remains unknown ,  Portrait of Scientific Revolution , Kluwer , 1990 , PP. 64 -65.

14-   Luhmann L .,"Organization", in : Bakken T. and Hernest (eds) , Outopoietic Organization theory , Copenhagen Business School Press , 2003 , P. 48.

15-   krippendorff K., "A Recursive theory of Communication" , in : Crowley D and Mitchell D., (eds) Communication theory Today , Polity Press. Cambridge 1994, PP. 78-79.

16-   Latour B., The Politics of Explanation : An Alternative , in : Woolgar S. and Ashmoare M.(eds) Knowledge and Reflexivity , Sage , London , 1988 , P. 155.

17-   Whitley R., The Intellectual and Social org. anization of the Sciences , Oxford univ. Press , 1984 , P. 13.

وأیضًا:

-Lazarsfeld P., and Henery N., Latent Structure analysis , Houghton Mifflin , N.W, 1968.

18-    نیکلاس لومان، مدخل إلى نظریة الأنساق......... مرجع سابق، ص75و ص78.

19-      المرجع نفسه، ص 5.

20-      المرجع نفسه، ص115، ص334 ،ص85.

21-      المرجع نفسه، ص8.

22-      المرجع نفسه، ص332، ص125.

23-      المرجع نفسه، ص128،ص138.

(**) تعتمد عقلانیة التواصل لدى لومان على سیولة المعلومات، والتی من خلالها تکون الإدارة المحوریة هى القادرة على تفعیل القدرة على إتخاذ القرارات والتنوع والإبداع والحریةواستنساخ الإنسان.

      راجع فی ذلک:  نیکلاس لومان، مدخل إلى نظریة الأنساق.... مرجع سابق، ص218.

25-المرجع نفسه، ص147 ، ص 156.    

26-المرجع نفسه، ص208.

 (***)تعود کلمة الأنتروبیا الى الأصول الإغریقیة، وتشیر إلى معنى التحول، وعربیًا یشار إلیها بالإعتلاج Cutropie. وقد عرفت هذه الکلمة کمفهوم من خلال مجالی الفیزیاء والکمیاء وخاصة فی إطار قوانین التحریک الحراری فی الغازات والسوائل وخاصة الأنظمة الکبیرة التی تتکون من جزیئات بالغة الأعداد یتم عملها بطریقة تلقائیة. وبإعتبار أن العمل فی هذه الأنظمة المغلقة یحدث بشکل تلقائی، فإنها تقوم بتحویل الطاقة الحراریة إلى شغل میکانیکی من شأنه أن یجدد من کفاءة الآلات والأجهزة فی داخله. حول هذا المعنى راجع:

-     Maruyama M., The Scond Cyberueticsi Deviation_ Amplifying Multual Causal Processes, American Scientist, No.51,pp.166-167.

-     http://ar.wikipedia.org  

 (****) السیبرانیطیقا أو السیرانیة هی علم الضبط، أو هی علم الدراسة المقارنة لنظم السیطرة الآلیة والإتصال فی الجهاز العصبی والدماغ وکذا فی المیکانیکا والأجهزة الکهربائیة. أ و بقول آخر إنها التحکم فی النظم والربط بین عناصرها وفق علاقات تبادلیة إرتدادیة أو دوریة.

27-نیکلاس لومان ، مدخل الى ...........، مرجع سابق ، ص60.

28-المرجع نفسه، ص241.

29-بشیر بوطیب، مفهوم التواصل فی الفلسفة: من الحقیقة إلى الإختلاف هابرماس ولومان ، فی: www.aljabriased.net

30- نیکلاس لومان ، مدخل الى .........،مرجع سابق ، ص101،ص174.

31-المرجع نفسه، ص110، ص112.

32-المرجع نفسه، ص222، ص304.

33-المرجع نفسه، ص290.

34-المرجع نفسه، ص305،ص341.

35-المرجع نفسه، ص351.

36-Lazarsfeld P., and Henry N ., Latent Structure analysis , Houghton Mifflin , N.Y., 1968, pp.21-22.

37-حول مفهوم الجینالوجیا راجع :

- ولید عثمان، الجینالوجیا: المقولة والمصطلح، فی : محمد شوقی الزین (مشرفًا)، جاک دریدا...    ماذا عن الحدث والتفکیک والخطاب ، منشورات الإختلاف ، دار الفارابی ، الطبعة الأولى ، الجزائر، 2011

- میشیل فوکو ، جینالوجیا المعرفة ، ترجمة احمد السطاتى وعبد السلام بنعبد العالى ، دار توبقال ،الطبعة الثانیة،  الرباط ، المغرب  ،2008- 

- شحاته صیام  ، سوسیولوجیا  ما بعد الحداثه ، مصر العربیه للنشر والتوزیع ، الطبعه الأولى، القاهرة، 2009

38-Lydesdorff L., The Evolution of Communication Systems, Systems

Research and Information Science, No .6,P 1994 , P 219.

 39- شحاته صیام، سوسیولوجیا  ما بعد الحداثه، مصر العربیه للنشر والتوزیع، الطبعه الأولى، القاهرة، 2009 ( الفصل الرابع).

 40-رشید بوطیب، جینالوجیا ما بعد الحداثه، فى :  www.Ofoug.com

و راجع أیضا: Giddens A.,The Rules of Sociology Method , Hutchinson , London , 1976.

(*****) نظریة الإجماع عند هابرماس تمایز بین الأنظمة التی تأتی نتیجة لتجارب ومعلومات وأفعال بین الخطاب التی تتطلب الدلیل على صدق ما تدعیه. وحیث هی کذلک فإنها تنادی بضرورة وجود إدعاءات صحیحة للحقیقة باعتبارها تدخل فی أضمومة الخطاب، لذا نجدها تفرق بین هذه الحقائق التی تدخل فی إطار الخطاب الإستدلالی والتی تأتی من غیره، وهو ما جعله یفرق بین الموضوعیة والحقیقة خاصة وأنه یعتبر أن الموضوعیة مرتبطة بسیاق التجربة والإدراک الحسی، وأن الحقیقة تتشج بالأفکار. وحیث أنه یربط الحقیقة بالعقل إذ یکون المرجعیة الأخیرة للمفکرین والممارسین فی الحیاة الیومیة، وبالتالی فهو یرفض ما تفرزه العلوم المیتافیزیقیة. فالحقیقة لدیه لا تتأسس انطولوجیة ولا عن ما تهبه التجربة من حقائق، وإنما تأتی من خلال العقل.

41- نیکلاس لومان ، مدخل الى .........،مرجع سابق ،ص421.

 42-Sigler A., Acyberntic Model of the Judicial system,Temple Law Quarterly, No.41,1968,pp.398-399.

 43-Easton D.The Political system: An Inquiry into the Stat Political scienele, Rnopf,N.y.,1953.

44-نیکلاس لومان، مدخل إلى نظریة الأنساق......... مرجع سابق، ص396، ص400، ص411.

45-راجع فى ذلک :

  Giddens A., Central Problem in Social Theory , Macmillan , London , 1979.   

46-انظر حول هذه الافکار :

شحاته صیام، النظریه الاجتماعیه من المرحلة الکلاسیکیه إلى ما بعد الحداثة، مصر العربیه للنشر والتوزیع، الطبعة الأولى، القاهره، 2007  .

وأیضاً راجع : Giddens A., The Constitution of Society, Polity Press ,London, 1984.

47-حسن مصدق، یورغن هابرماس ومدرسة فرانکفورت – النظریة النقدیة التواصلیة، المرکز الثقافی العربی، بیروت – الدار البیضاء، 2005.    

 

 

 

 

المراجع:
 (*) یعتبر أومبرتوماتورانا من المهتمین بإیجاد نظریة بیولوجیة تعمل بقوة على إعادة إنتاج الحیاة إعتماد على مفهوم التکوین الذاتی Autopies أو إعادة إنتاج الحیاة بطریقة ذاتیة، إذ تلعب فیها العناصر الخاصة بالنسق الحی دورًا ومحوریًا فی مراقبة الذات لذاتها بطریقة میکانیکیة. راجع فی ذلک:
Broun S.G., Laws of form, Jalian, N.y,1972.
1-  اریک فروم، فن الاصغاء، ترجمة محمود منقذ الهاشمى، منشورات اتحاد الکتاب العرب، دمشق، 2004، ص 14- 15.وایضا:
 
Maturana R., Biology of Language : the Epistemology of Reality : in G. Miller , Elenneberg (eds) , Psychology and Biology of Language and though , Academic Press , N.W., PP.27-63.
2-   Maturana R., Ontology of Observing : the biological Foundational of self. Comsciousness and the physical doman of existence , American society for Cybernetics Conference , 18- 23, oct .1988.
 and too : Francisco V. Autopoisis and Cognition , New Science Library , Poston , 1984.
3-   Luhmann  N ., "the Autopoisis of Social Systems paradoxes" : Observation , Control and Evolution of Social Systems , Sage , London , 1986 , PP. 92- 94.  
4-  نیکلاس لومان، مدخل إلى نظریة الأنساق، ترجمة یوسف فهمی حجازی، منشورات الجمل، ط1، کولونیا (ألمانیا)- بغداد، 2010، ص 12.
 
5-  Leydesdorff L., the Production of Probabilistic Entropy in Structure action Contingency Relation , Journal of Social and Evolutionary Systems , No .18 , 1995 , PP 339-341.
6-  Leydesdorff L , the Challenge of Scient. ometrics : the Development , Measurement , and self. Organization of Scientific Communication, Leiden Unvi Press 1995.
7-  Leydesdorff L, Luhmann's Sociology Theory ; "Social Science Information" , No. 35 , Dswo Press , 1996 , P .283.
8-  Leydesdorff L., the New Communication Regime of Univ. Industry Government Relation , in: H.Ezkowitz and Leydesdorff L., (eds) Univ. and Global Knowledge Economy, Cassel Academic, London , 1997 , PP. 106 – 107.
9-         کلثوم زنینة،مبدأ التواصل فى مرجعیة الادب الرقمى بین التکنولوجیا والفکر الفلسفى ، مقالید ( مجلة ) ، العدد الثالث ، دیسمبر 2012، ص164.
10-    نیکلاس لومان، مدخل إلى نظریة الأنساق ....، مرجع سابق ، ص ص102-104.
11-   Leydesdorff L., the Non-Linear Dynamic of Sociological Reflections , International Sociology , N.12, 1997 , PP. 25 - 27.
12-   Luhmann L ., the autopoiesis of Social Systems .., OP. cit , P. 1972. 
13-   Luhmann L ., the Cognitive Program of Constr Activism and Reality that Remains unknown ,  Portrait of Scientific Revolution , Kluwer , 1990 , PP. 64 -65.
14-   Luhmann L .,"Organization", in : Bakken T. and Hernest (eds) , Outopoietic Organization theory , Copenhagen Business School Press , 2003 , P. 48.
15-   krippendorff K., "A Recursive theory of Communication" , in : Crowley D and Mitchell D., (eds) Communication theory Today , Polity Press. Cambridge 1994, PP. 78-79.
16-   Latour B., The Politics of Explanation : An Alternative , in : Woolgar S. and Ashmoare M.(eds) Knowledge and Reflexivity , Sage , London , 1988 , P. 155.
17-   Whitley R., The Intellectual and Social org. anization of the Sciences , Oxford univ. Press , 1984 , P. 13.
وأیضًا:
-Lazarsfeld P., and Henery N., Latent Structure analysis , Houghton Mifflin , N.W, 1968.
18-    نیکلاس لومان، مدخل إلى نظریة الأنساق......... مرجع سابق، ص75و ص78.
19-      المرجع نفسه، ص 5.
20-      المرجع نفسه، ص115، ص334 ،ص85.
21-      المرجع نفسه، ص8.
22-      المرجع نفسه، ص332، ص125.
23-      المرجع نفسه، ص128،ص138.
(**) تعتمد عقلانیة التواصل لدى لومان على سیولة المعلومات، والتی من خلالها تکون الإدارة المحوریة هى القادرة على تفعیل القدرة على إتخاذ القرارات والتنوع والإبداع والحریةواستنساخ الإنسان.
      راجع فی ذلک:  نیکلاس لومان، مدخل إلى نظریة الأنساق.... مرجع سابق، ص218.
25-المرجع نفسه، ص147 ، ص 156.    
26-المرجع نفسه، ص208.
 (***)تعود کلمة الأنتروبیا الى الأصول الإغریقیة، وتشیر إلى معنى التحول، وعربیًا یشار إلیها بالإعتلاج Cutropie. وقد عرفت هذه الکلمة کمفهوم من خلال مجالی الفیزیاء والکمیاء وخاصة فی إطار قوانین التحریک الحراری فی الغازات والسوائل وخاصة الأنظمة الکبیرة التی تتکون من جزیئات بالغة الأعداد یتم عملها بطریقة تلقائیة. وبإعتبار أن العمل فی هذه الأنظمة المغلقة یحدث بشکل تلقائی، فإنها تقوم بتحویل الطاقة الحراریة إلى شغل میکانیکی من شأنه أن یجدد من کفاءة الآلات والأجهزة فی داخله. حول هذا المعنى راجع:
-     Maruyama M., The Scond Cyberueticsi Deviation_ Amplifying Multual Causal Processes, American Scientist, No.51,pp.166-167.
-     http://ar.wikipedia.org  
 (****) السیبرانیطیقا أو السیرانیة هی علم الضبط، أو هی علم الدراسة المقارنة لنظم السیطرة الآلیة والإتصال فی الجهاز العصبی والدماغ وکذا فی المیکانیکا والأجهزة الکهربائیة. أ و بقول آخر إنها التحکم فی النظم والربط بین عناصرها وفق علاقات تبادلیة إرتدادیة أو دوریة.
27-نیکلاس لومان ، مدخل الى ...........، مرجع سابق ، ص60.
28-المرجع نفسه، ص241.
29-بشیر بوطیب، مفهوم التواصل فی الفلسفة: من الحقیقة إلى الإختلاف هابرماس ولومان ، فی: www.aljabriased.net
30- نیکلاس لومان ، مدخل الى .........،مرجع سابق ، ص101،ص174.
31-المرجع نفسه، ص110، ص112.
32-المرجع نفسه، ص222، ص304.
33-المرجع نفسه، ص290.
34-المرجع نفسه، ص305،ص341.
35-المرجع نفسه، ص351.
36-Lazarsfeld P., and Henry N ., Latent Structure analysis , Houghton Mifflin , N.Y., 1968, pp.21-22.
37-حول مفهوم الجینالوجیا راجع :
- ولید عثمان، الجینالوجیا: المقولة والمصطلح، فی : محمد شوقی الزین (مشرفًا)، جاک دریدا...    ماذا عن الحدث والتفکیک والخطاب ، منشورات الإختلاف ، دار الفارابی ، الطبعة الأولى ، الجزائر، 2011
- میشیل فوکو ، جینالوجیا المعرفة ، ترجمة احمد السطاتى وعبد السلام بنعبد العالى ، دار توبقال ،الطبعة الثانیة،  الرباط ، المغرب  ،2008- 
- شحاته صیام  ، سوسیولوجیا  ما بعد الحداثه ، مصر العربیه للنشر والتوزیع ، الطبعه الأولى، القاهرة، 2009
38-Lydesdorff L., The Evolution of Communication Systems, Systems
Research and Information Science, No .6,P 1994 , P 219.
 39- شحاته صیام، سوسیولوجیا  ما بعد الحداثه، مصر العربیه للنشر والتوزیع، الطبعه الأولى، القاهرة، 2009 ( الفصل الرابع).
 40-رشید بوطیب، جینالوجیا ما بعد الحداثه، فى :  www.Ofoug.com
و راجع أیضا: Giddens A.,The Rules of Sociology Method , Hutchinson , London , 1976.
(*****) نظریة الإجماع عند هابرماس تمایز بین الأنظمة التی تأتی نتیجة لتجارب ومعلومات وأفعال بین الخطاب التی تتطلب الدلیل على صدق ما تدعیه. وحیث هی کذلک فإنها تنادی بضرورة وجود إدعاءات صحیحة للحقیقة باعتبارها تدخل فی أضمومة الخطاب، لذا نجدها تفرق بین هذه الحقائق التی تدخل فی إطار الخطاب الإستدلالی والتی تأتی من غیره، وهو ما جعله یفرق بین الموضوعیة والحقیقة خاصة وأنه یعتبر أن الموضوعیة مرتبطة بسیاق التجربة والإدراک الحسی، وأن الحقیقة تتشج بالأفکار. وحیث أنه یربط الحقیقة بالعقل إذ یکون المرجعیة الأخیرة للمفکرین والممارسین فی الحیاة الیومیة، وبالتالی فهو یرفض ما تفرزه العلوم المیتافیزیقیة. فالحقیقة لدیه لا تتأسس انطولوجیة ولا عن ما تهبه التجربة من حقائق، وإنما تأتی من خلال العقل.
41- نیکلاس لومان ، مدخل الى .........،مرجع سابق ،ص421.
 42-Sigler A., Acyberntic Model of the Judicial system,Temple Law Quarterly, No.41,1968,pp.398-399.
 43-Easton D.The Political system: An Inquiry into the Stat Political scienele, Rnopf,N.y.,1953.
44-نیکلاس لومان، مدخل إلى نظریة الأنساق......... مرجع سابق، ص396، ص400، ص411.
45-راجع فى ذلک :
  Giddens A., Central Problem in Social Theory , Macmillan , London , 1979.   
46-انظر حول هذه الافکار :
شحاته صیام، النظریه الاجتماعیه من المرحلة الکلاسیکیه إلى ما بعد الحداثة، مصر العربیه للنشر والتوزیع، الطبعة الأولى، القاهره، 2007  .
وأیضاً راجع : Giddens A., The Constitution of Society, Polity Press ,London, 1984.
47-حسن مصدق، یورغن هابرماس ومدرسة فرانکفورت – النظریة النقدیة التواصلیة، المرکز الثقافی العربی، بیروت – الدار البیضاء، 2005.