الشباب وظاهرة الأنومى قراءة في صراع الهوية القومية والعالمية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

عميد کلية الخدمة الاجتماعية الأسبق جامعة حلوان

المستخلص

إطلالة عامة:
     يتفاعل الشباب مع بيئة ليست محلية محدودة ولکن مع بيئة عالمية تتسم بالتغيرات السريعة المذهلة وعالم مضطرب يتسم بالغزو الثقافى المتدفق بمخالبه وتتصارع فيه الحضارات والقوميات صراعا ثقافيا متوحشا مما ينعکس سلبا على البناءات الأيديولوجية واختلالها فى المجتمعات والتعددية الثقافية وغموض الهوية القومية وغياب القاعدة أوالمعيار المجتمعى، وفى هذا الاطار العالمى سريع التدفق والتغير اللامحسوب المذهل الذى فاق کل التوقعات کانت طموحات الشباب المشروعة وغير المشروعة التى قد لاتتوافق مع قدراتهم مما عززمن الاختلال الأنومي أو اللامعيارية لديهم وتعني اللا قانون واللاقاعدية وتنم جميعها عن خلل في الترکيب الذي يؤدي إلى حالة اللانظام أو اللاقانون وإلى افتقار مفهوم السلوک إلى القاعدة والمعيار التي يمکن بها وبناء عليها قياس أو تميز السلوک السوي عن السلوک غير السوي . والمعتقدات في حالة انتشار حالة اللامعيارية يصاب البناء الثقافى والقيم والأعراف والقوانين والضبط الاجتماعى غير الرسمى وصعوبة تحقيق الاتفاق فى المعتقدات وتفکک عناصر التضامن وغياب الوعي في المجتمع بالضعف والوهن وتفتقد بذلک القاعدة التي تعتمد عليها بسبب عدم القبول أو عدم جدواها والقناعة بها، وبالتالي يحدث قلق وتوتر لدى الشباب ومن ثم ارتباکه أو عزلته عن المجتمع. وفي مثل هذه الظروف والأوضاع يصل المجتمع إلى حالة من الفوضى واللانظام واللامعيارية واللاقاعدية، إنها ظاهرة إنهيار القيم بکل أشکاله.
وظهرلدى الشباب کثير من المظاهر والسلوکيات التى تعزز إختلال الأنومى منها ظهور شعار جديد غير مسبوق، وهو ضرورة تمکين الشباب، وقد ترجمه الناشطون السياسيون الجدد بمعنى ضرورة إقصاء الأجيال السابقة کافة، وأن يشغلوا هم وظائف الإدارة الکبرى إنها طموحات وتطلعات متنامية أکبر من القدرات وتعکس السرعة المذهلة فى تحقيق الطموحات حتى إذا لم تتوافر الوسائل والقدرات الضرورية واللازمة لتحقيقها، وکأنهاعواصف للتمرد على الأوضاع القائمة، إنها حقبة التمرد المطلق بکل أشکاله وصوره.
وانتقلت عواصف التمرد إلى الجامعات، حيث اختلّت العلاقة اختلالاً جسيماً بين الطلبة والأساتذة، وإلى الشرکات والمصانع حيث اعتدى الموظفون والعمال على المديرين لإجبارهم على الإذعان لمطالبهم المالية، وسادت في المجتمع ظاهرة انهيار القيم، التي يطلق عليها الأنومي، أي الافتقار إلى معايير واضحة لتحديد الفروق بين السلوک الاجتماعي المشروع وغير المشروع. وهکذا اختلطت الثورة بالفوضى وأصبحت مهمة إعادة القيم لتحکم السلوک الاجتماعي مهمة بالغة الصعوبة فى إطار تغيرات کونية مذهلة وغزو ثقافى غاشم لايرحم الثقافات القومية نتيجة صراع ثقافى غير متکافئ، وإنشطار وتعددية ثقافية غير متوقعة.
ويُستخدَم الاصطلاح أحياناً کمرادف لمصطلح الاغتراب حيث يصبح الفرد بلا جذور فيفقد الاتجاه، ويسبب له هذا اختلالاً نفسياً، وقد عدَّل روبرت مرتون معنى کلمة أنومي، فبدلاً من الحديث عن غياب المعيارية، تحدَّث عن الصراع بين المعايير، أي أن حالة الأنومي تظهر حينما يواجه المرء أهدافاً غير متسقة في حياته، أو حينما يُطرَح عليه حلم مستحيل وهو هدف نهائي دون توفير الوسائل التي تساعده من تحقيق الهدف، أو حينما تتناقض الأهداف الاجتماعية مع المقاييس السلوکية التي تساعد على تحقيقها. ففي الولايات المتحدة ـ على سبيل المثال ـ يؤکد الحلم الأمريکي أن تحقيق الثروة هو الهدف من الحياة، وهو ما عُبِّر عنه بمقولة "من الأسمال إلى الثروة"، ولکن الوسائل المتاحة لتحقيق هذا الهدف محدودة جداً والفرد الأمريکي لا يتمکن من تحقيق حلمه من خلال القنوات الشرعية مهما بذل من تضحيات. ولذا، تبدأ حالة الأنومي في الظهور ويلجأ الفرد لوسائل غير مشروعة مثل الانحراف والجريمة وتعاطي المخدرات، إما لتحقيق الهدف المستحيل أو لتحقيق التوازن الذي فقده الإنسان نتيجة الحلم المستحيل والهدف الغائب.
 ويشارللامعيارية أيضاً بـالتفسخ وهي ترجمة للکلمة الفرنسية أو الإنجليزية أنومي Anomie  ، وهي من کلمة يونانية تعني بلا قانون. وتعني فقدان المعايير وغياب أي اتفاق جوهري أو إجماع بشأنها في المجتمع الحديث الذي تتآکل فيه القيم والتقاليد. وکان دورکايم أول من َطوَّر المصطلح فبيَّن أن حالة اللامعيارية تنشأ في حالة انتقال المجتمع من التضامن الآلي إلى التضامن العضوي قبل اکتمال مؤسسات المجتمع العضوي. ويذهب دورکايم إلى أن السعادة البشرية والنظام الاجتماعي يعتمدان على درجة من التنظيم الاجتماعي من قبَل المجتمع وعلى الإجماع، وبدونهما تسقط الطبيعة البشرية فريسة "لمرض التطلع اللامتناهي" ويفشل المجتمع في تحقيق الطمأنينة لأعضائه. ومما يزيد الأمر سوءاً أن المؤسسات الوسيطة التي تُوجَد في المجتمعات التقليدية تختفي تماماً في العصر الحديث، الأمر الذي يترک الفرد وحيداً في مواجهة حالة اللامعيارية هذه، وأحد أشکال تزايد معدلات اللامعيارية هو تزايد معدلات الانتحار.
ولو عاش دورکايم حتى هذه الحقبة لبدل زيادة معدلات الانتحار بزيادة معدلات الفوضى والانحراف الأخلاقى کعائد غير متوقع للتغيرات kوالثورة الکونية، وأن سبب تزايد اللامعيارية والأنومى التدفق المتلاحق للتغيرات الکونية وايقاعها السريع غير المعهود وتدفق الغزو الثقافى المتنامى لثقافات مغايرة أهتز معها البناء الاجتماعى فى المجتمع بعناصره المختلفة، وتعددت أشکال الأنومى واللامعيارية لأشکال وصور الفوضى واللامبالاة والطموحات غير المشروعة ورفض الضبط الرسمى وغير الرسمى وتقبل الثقافات الوافدة  ورفض الثقافة الوطنية ورموزها المجتمعية، إنه واقع کونى يعزز من الشيئية واللامعنى والأنومى خاصة لدى الشباب الذى يتسم بالحلم والتطلعات والأهداف المتنامية

نقاط رئيسية

ظاهرة الأنومى

الكلمات الرئيسية


 
 
الشباب وظاهرة الأنومى
قراءة فی صراع الهویة القومیة والعالمیة
 
 
اعداد
 
الأستاذ الدکتور                                        الأستاذة الدکتورة
طلعت مصطفى السروجی                             سامیة عبد الرحمن همام
عمید کلیة الخدمة الاجتماعیة الأسبق                 أستاذ خدمة الفرد کلیة الخدمة الاجتماعیة
جامعة حلوان                                            جامعة حلوان
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
إن النظام العالمى الجدید یعمل على إفراغ الهویة الجمعیة من کل محتوى ویدفع إلى التفتیت والتشتیت لیربط الشباب بعالم اللاوطن واللاأمة واللادولة. والنتیجة استمرار إعادة إنتاج متواصلة ومتعاظمة للثنائیة، ثنائیة التقلیدی والعصری، ثنائیة الأصالة والمعاصرة فى الثقافة والسلوک.
إن ثقافة الاختراق تقوم على جملة أوهام هدفها: “التطبیع" مع الهیمنة وتکریس الاستتباع الحضاری الثقافی، وتتولى القیام بعملیة تسطیح الوعی، واختراق الهویة الثقافیة للأفراد والأقوام والأمم، إنه سلاح خطیر یکرس الثنائیة والانشطار فى الهویة الوطنیة القومیة، لیس الآن فقط بل وعلى مدى الأجیال الصاعدة والقادمة، ثقافة جدیدة تماما لم یشهد التاریخ من قبل لها مثیلاً.
إن الظاهر أصبح أهم من الباطن وأصبحت مکارم الاخلاق بتغییر الثیاب ولیس بتغییر السلوک.... وجاء الانفتاح لنصدر أخلاقنا ونستورد أخلاق الغیر.
إن اختلال الأنومی أو اللا معیاریة تعنی التفسخ واللا قانون واللا قاعدیة وتنم جمیعها عن الترکیب الذی یؤدی إلى حالة اللا نظام أو اللا قانون و"انعدام الثقة " أو " حالة البلبلة والشک " وإلى افتقار مفهوم السلوک إلى القاعدة والمعیار التی یمکن بها وبناء علیها قیاس أو تمیز السلوک السوی عن السلوک غیر سوی. والمعتقدات فی حالة انتشار حالة اللا معیاریة تصاب القیم والأعراف والقوانین فی المجتمع بالضعف والوهن وتفتقد بذلک القاعدة التی تعتمد علیها بسبب عدم القبول أو عدم جدواها والقناعة بها وتعلق الشباب بالثقافات الوافدة ثقافة الحضارة السائدة والتقلید والمحاکاة بلاوعی، وبالتالی یحدث قلق وتوتر لدى الشباب ومن ثم ارتباکه أو عزلته عن المجتمع. فضلا عن الافتقار إلى معاییر واضحة لتحدید الفروق بین السلوک الاجتماعی المشروع وغیر المشروع. وهکذا اختلطت الثورة الکونیة بالفوضى وأصبحت مهمة إعادة القیم لتحکم السلوک الاجتماعی مهمة بالغة الصعوبة.
إن التراجع القیمی والانهیار الأخلاقی تبدو ملامحه واضحة فی الشارع, فوضی وانحراف قیمى وسلوکی, انحسار للقیم النبیلة وانتشار لمظاهر الفساد والرشوة, مواطنون یضربون عرض الحائط بکل قیم العائلة الأصیلة وبکل القواعد والقوانین, وآخرون یتصرفون بعدوانیة مجانیة غیر مبررة. 
إن أرسطو ألف کتابا فی کل علم لکنه ألف ثلاثة کتب فی علم الأخلاق وقد ضاع ثلثا مؤلفات أرسطو مثلما ضاعت الأخلاق‏، ‏ وصار المهم الآن والملح هو عودة أخلاقنا الضائعة‏، ‏ قبل عودة أموالنا الضائعة فلا یهدم الدولة انهیار مؤسساتها ولکن انهیار أخلاقنا‏، لأن الانفلات الأخلاقی أخطر من الانفلات الأمنی‏. ‏          
إن الواقع یعکس أن المسئولیة الأخلاقیة أشمل وأوسع من المسئولیة القانونیة، والأولی ثابتة وتخضع لسلطة داخلیة وهی الضمیروالضبط الذاتى الداخلی، والثانیة متغیرة وتخضع لسلطة خارجیة وهی مؤسسات العدالة. لقد انشغلنا عن تربیة الأبناء، وأرضینا السلطة الخارجیة وأهملنا السلطة الداخلیة، واعتلی الجهلاء أکتاف العلماء وغابت الأخلاق التراثیة الوطنیة وکأن التقلیدى الثقافى بطولة لدى الشباب ومعیارا للتفاخر الأجوف بالتأکید.
 إن هذه الحقبة الزمنیة یمکن وصفها بأنها حقبة التمرد المطلق بکل أشکاله، حالة التمرد على حالة الثقافة الوطنیة وحالة انهیار القیم القومیة وحالة اختلال الأنومی أو اللامعیاریة.
إطلالة عامة:
     یتفاعل الشباب مع بیئة لیست محلیة محدودة ولکن مع بیئة عالمیة تتسم بالتغیرات السریعة المذهلة وعالم مضطرب یتسم بالغزو الثقافى المتدفق بمخالبه وتتصارع فیه الحضارات والقومیات صراعا ثقافیا متوحشا مما ینعکس سلبا على البناءات الأیدیولوجیة واختلالها فى المجتمعات والتعددیة الثقافیة وغموض الهویة القومیة وغیاب القاعدة أوالمعیار المجتمعى، وفى هذا الاطار العالمى سریع التدفق والتغیر اللامحسوب المذهل الذى فاق کل التوقعات کانت طموحات الشباب المشروعة وغیر المشروعة التى قد لاتتوافق مع قدراتهم مما عززمن الاختلال الأنومی أو اللامعیاریة لدیهم وتعنی اللا قانون واللاقاعدیة وتنم جمیعها عن خلل فی الترکیب الذی یؤدی إلى حالة اللانظام أو اللاقانون وإلى افتقار مفهوم السلوک إلى القاعدة والمعیار التی یمکن بها وبناء علیها قیاس أو تمیز السلوک السوی عن السلوک غیر السوی . والمعتقدات فی حالة انتشار حالة اللامعیاریة یصاب البناء الثقافى والقیم والأعراف والقوانین والضبط الاجتماعى غیر الرسمى وصعوبة تحقیق الاتفاق فى المعتقدات وتفکک عناصر التضامن وغیاب الوعی فی المجتمع بالضعف والوهن وتفتقد بذلک القاعدة التی تعتمد علیها بسبب عدم القبول أو عدم جدواها والقناعة بها، وبالتالی یحدث قلق وتوتر لدى الشباب ومن ثم ارتباکه أو عزلته عن المجتمع. وفی مثل هذه الظروف والأوضاع یصل المجتمع إلى حالة من الفوضى واللانظام واللامعیاریة واللاقاعدیة، إنها ظاهرة إنهیار القیم بکل أشکاله. 
وظهرلدى الشباب کثیر من المظاهر والسلوکیات التى تعزز إختلال الأنومى منها ظهور شعار جدید غیر مسبوق، وهو ضرورة تمکین الشباب، وقد ترجمه الناشطون السیاسیون الجدد بمعنى ضرورة إقصاء الأجیال السابقة کافة، وأن یشغلوا هم وظائف الإدارة الکبرى إنها طموحات وتطلعات متنامیة أکبر من القدرات وتعکس السرعة المذهلة فى تحقیق الطموحات حتى إذا لم تتوافر الوسائل والقدرات الضروریة واللازمة لتحقیقها، وکأنهاعواصف للتمرد على الأوضاع القائمة، إنها حقبة التمرد المطلق بکل أشکاله وصوره. 
وانتقلت عواصف التمرد إلى الجامعات، حیث اختلّت العلاقة اختلالاً جسیماً بین الطلبة والأساتذة، وإلى الشرکات والمصانع حیث اعتدى الموظفون والعمال على المدیرین لإجبارهم على الإذعان لمطالبهم المالیة، وسادت فی المجتمع ظاهرة انهیار القیم، التی یطلق علیها الأنومی، أی الافتقار إلى معاییر واضحة لتحدید الفروق بین السلوک الاجتماعی المشروع وغیر المشروع. وهکذا اختلطت الثورة بالفوضى وأصبحت مهمة إعادة القیم لتحکم السلوک الاجتماعی مهمة بالغة الصعوبة فى إطار تغیرات کونیة مذهلة وغزو ثقافى غاشم لایرحم الثقافات القومیة نتیجة صراع ثقافى غیر متکافئ، وإنشطار وتعددیة ثقافیة غیر متوقعة.
ویُستخدَم الاصطلاح أحیاناً کمرادف لمصطلح الاغتراب حیث یصبح الفرد بلا جذور فیفقد الاتجاه، ویسبب له هذا اختلالاً نفسیاً، وقد عدَّل روبرت مرتون معنى کلمة أنومی، فبدلاً من الحدیث عن غیاب المعیاریة، تحدَّث عن الصراع بین المعاییر، أی أن حالة الأنومی تظهر حینما یواجه المرء أهدافاً غیر متسقة فی حیاته، أو حینما یُطرَح علیه حلم مستحیل وهو هدف نهائی دون توفیر الوسائل التی تساعده من تحقیق الهدف، أو حینما تتناقض الأهداف الاجتماعیة مع المقاییس السلوکیة التی تساعد على تحقیقها. ففی الولایات المتحدة ـ على سبیل المثال ـ یؤکد الحلم الأمریکی أن تحقیق الثروة هو الهدف من الحیاة، وهو ما عُبِّر عنه بمقولة "من الأسمال إلى الثروة"، ولکن الوسائل المتاحة لتحقیق هذا الهدف محدودة جداً والفرد الأمریکی لا یتمکن من تحقیق حلمه من خلال القنوات الشرعیة مهما بذل من تضحیات. ولذا، تبدأ حالة الأنومی فی الظهور ویلجأ الفرد لوسائل غیر مشروعة مثل الانحراف والجریمة وتعاطی المخدرات، إما لتحقیق الهدف المستحیل أو لتحقیق التوازن الذی فقده الإنسان نتیجة الحلم المستحیل والهدف الغائب.
 ویشارللامعیاریة أیضاً بـالتفسخ وهی ترجمة للکلمة الفرنسیة أو الإنجلیزیة أنومی Anomie  ، وهی من کلمة یونانیة تعنی بلا قانون. وتعنی فقدان المعاییر وغیاب أی اتفاق جوهری أو إجماع بشأنها فی المجتمع الحدیث الذی تتآکل فیه القیم والتقالید. وکان دورکایم أول من َطوَّر المصطلح فبیَّن أن حالة اللامعیاریة تنشأ فی حالة انتقال المجتمع من التضامن الآلی إلى التضامن العضوی قبل اکتمال مؤسسات المجتمع العضوی. ویذهب دورکایم إلى أن السعادة البشریة والنظام الاجتماعی یعتمدان على درجة من التنظیم الاجتماعی من قبَل المجتمع وعلى الإجماع، وبدونهما تسقط الطبیعة البشریة فریسة "لمرض التطلع اللامتناهی" ویفشل المجتمع فی تحقیق الطمأنینة لأعضائه. ومما یزید الأمر سوءاً أن المؤسسات الوسیطة التی تُوجَد فی المجتمعات التقلیدیة تختفی تماماً فی العصر الحدیث، الأمر الذی یترک الفرد وحیداً فی مواجهة حالة اللامعیاریة هذه، وأحد أشکال تزاید معدلات اللامعیاریة هو تزاید معدلات الانتحار.
ولو عاش دورکایم حتى هذه الحقبة لبدل زیادة معدلات الانتحار بزیادة معدلات الفوضى والانحراف الأخلاقى کعائد غیر متوقع للتغیرات kوالثورة الکونیة، وأن سبب تزاید اللامعیاریة والأنومى التدفق المتلاحق للتغیرات الکونیة وایقاعها السریع غیر المعهود وتدفق الغزو الثقافى المتنامى لثقافات مغایرة أهتز معها البناء الاجتماعى فى المجتمع بعناصره المختلفة، وتعددت أشکال الأنومى واللامعیاریة لأشکال وصور الفوضى واللامبالاة والطموحات غیر المشروعة ورفض الضبط الرسمى وغیر الرسمى وتقبل الثقافات الوافدة  ورفض الثقافة الوطنیة ورموزها المجتمعیة، إنه واقع کونى یعزز من الشیئیة واللامعنى والأنومى خاصة لدى الشباب الذى یتسم بالحلم والتطلعات والأهداف المتنامیة.
الشباب من هم؟
 یتباین مفهوم الشباب بین المجتمعات حیث یجمع المفهوم محددات عمریة وبیولوجیة وعقلیة وبدنیة، غیر أن المفهوم المقبول اجتماعیا هو المرحلة العمریة المرتبطة بالقدرةعلى العطاء والمشارکة الفاعلة فى عملیات التنمیة، والمرحلة العمریة التى یکتمل فیها النضج العقلى والبدنى.والشباب هی الفترة العمریة ما بین الطفولة والبلوغ، وتوصف بأنها فترة من النمو البدنی والنفسی من سن البلوغ إلى مرحلة النضج والبلوغ المبکر. وتختلف المصطلحات لتحدید الفترة العمریة المحددة التی تشکل الشباب.فقد لایتوافق نضج الأفراد الفعلى مع عمرهم الزمنی، بسبب وجود الأفراد غیر الناضجین فی جمیع الأعمار، فضلا عن اختلاف النضج البدنى باختلاف التضاریس والمنخ بین المجتمعات فالمجتمعات الحارة أسرع فی النضج من غیرها، بالإضافة لاختلاف النضج النفسى بتباین المناخ الأسرى والمجتمعى بین الأفراد.
ویختلف العمر الذی یعتبر الشخص أصبح شابا، وبالتالی مؤهلا لکی یعامل معاملة محددة فی ظل القانون والمجتمع فی جمیع أنحاء العالم.
المحددات العمریة للشباب:
تختلف المحددات العمریة طبقا لماسبق بین المجتمعات المختلفة حیث نجد مثلا:
تحدد المتحدة” الشباب... أولئک الأشخاص الذین تتراوح أعمارهم بین 15 و24 عاما."
بینما البنک الدولى الوقت فی حیاة الفرد ما بین الطفولة والبلوغ. ومصطلح "الشباب" بصفة عامة یرمز إلى أولئک الذین تتراوح أعمارهم ما بین 15" إلى 25.عاما "  
للشباب مع "الشباب (الذین تتراوح أعمارهم بین 15-29عاما.
مدرسة مقاطعة ویلسون الأفراد الذین تتراوح أعمارهم بین 14 و21. 
البیوت البدیلة للشباب، الشاب، الفرد فی الفترة من 13 إلى 19 سنة من العمر.
الشباب والتباین بین الطموحات والقدرات:
   إن المدقق بوعی یمکن أن یحدد أن قضایا الشباب تکمن دائما فى التباین الصارخ بین الطموحات والقدرات، والطموحات صنفان مشروعة وواقعیة وأخرى غیر مشروعة وغیر واقعیة ومن حق الشباب وترتبط بالمرحلة العمریة من ناحیة ولعبت المیدیا والتغیرات العالمیة الجدیدة دورا جوهریا فى الدفع بالطموحات لمستویات أعلى من ناحیة ثانیة ومیل الشباب للتقلید والمحاکاة من ناحیة ثالثة، حتى أضحت أحلاما لدى الشباب -الذی من حقه أن یحلم-.
    والقدرات قد تکون ظاهرة معروفة وأخرى خفیة کامنة غیر معروفة ویتمیز الشباب بالقدرات البدنیة والعقلیة والنفسیة غیر أن هذه القدرات متباینة وترتبط ارتباطا کلیا بالاعداد العلمى المعرفى والخبرات ومراحل الاعداد والتنشئة الاجتماعیة للشباب ، ولذا فان غیاب فعالیة مؤسسات التنشئة الاجتماعیة والاعداد المعرفى وتواصل الأجیال ونقل الخبرات وتراکمها تؤثر سلبا وبصورة جوهریة فى قدرات الشباب باختلاف أنواع ومسمیات هذه القدرات ویصبح الشباب غیر مؤهل لتحقیق الطموحات التى تتحول منطقیا لأحلام ومن ثم  قد یفکر الشباب فى ایجاد أسالیب بدیلة غیر مقبولة اجتماعیا لتحقیق طموحاته غیر الواقعیة التى تفوق کثیرا قدراته، ومن ثم تظهر المشکلات ویزداد حدة مشکلة الأنومى لدیهم.
     إن الطموحات المشروعة الواقعیة للشباب هى تلک التى تتوافق مع قدراتهم وامکاناتهم المختلفة، ولذا فتقریب الفجوة بین الطموحات والقدرات من المهام الأساسیة للخدمة الاجتماعیة فى الممارسة مع فئة الشباب لیس لمواجهة مشکلاتهمفقط ولکن أیضا للوقایة من المشکلات والاستفادة القصوى من مشارکات الشباب فى عملیات التنمیة فى المجتمع.
قراءة فى ظاهرة الأنومى:
   یرجع أصل کلمة أنومیا إلى الکلمة الإغریقیة Anomie   التی تعنی " انعدام القانون " أو " انعدام الثقة " أو " حالة البلبلة والشک " التی یسببها غیاب سلطة القانون. أما فی العصر الحدیث فقد کان رائد المدرسة الاجتماعیة الغربیة " إمیل دورکایم أول من وضع هذا المصطلح عام 1893 فی کتابه"تقسیم العمل"ثم طوره من بعده "روبرت میرتون" عام 1957 فی سیاق النظریات المفسرة للظواهر الاجرامیة، فمصطلح الأنومیا یعنی بشکل عام "غیاب المعاییر", وهو یرتبط مباشرة بالنظم المعیاریة التی یرتکز علیها مختلف مظاهر التنظیم الاجتماعی, التی تسیر مجتمعا بشریا معینا, والتی تتجسد فی مختلف المؤسسات أو الهیئات التی ترتبط مباشرة بذلک المجتمع .
وأی خلل قد یصیب هذه المنظومة المشکلة للمعاییر, یؤدی مباشرة إلى اختلال البناء الاجتماعی ککل ومن ثم ظهور الأنومیا, إن ظاهرة الأنومی أو اللامعیاریة هی عائد متوقع لفشل المعاییر الاجتماعیة فی ضبط تفاعلات وأنشطة أفراد المجتمع من خلال معاییر محدة مقبولة ومتوافق علیها, وتعجز الأوضاع والظروف المجتمعیة عن توجیه الأفراد لمواقعهم المناسبة فی المجتمع, فتنشأ عنها صعوبات التکیف والتوافق الاجتماعی, وهذا بدوره یؤدی إلى الإحباط وعدم الرضا عن المنظومة الاجتماعیة, ومن ثم یکون بدایة لتطور تدریجی – تراکمی لمفاهیم جدیدة تحمل فى طیاتها  مضامین " صراعیة أو ثأریة ", تؤدی فی النهایة إلى انتشار الفوضى من خلال سعی بل تسابق الأفراد إلى تحقیق أهدافهم المشروعة بطرق غیر مشروعة حیث تعجز مؤسسات المجتمع عن تنظیم أدوارهم وهو ما یؤدی إلى الانحراف والتمرد على القانون والأوضاع , الذی یأخذ عادة طابع التبریر لتلک السلوکیات المنحرفة من وجهات نظر شخصیة ذاتیة, بعیدة عن النضج الاجتماعی أو الثقافی أو السیاسی للفرد الأنومی, الذی یُعبر فی هذا النموذج النظری عن شذوذ فکری وسلوکی, یتکون ویظهرعادة  نتیجة للانشطار والتفکک والثنائیة والخلل فی البناء الاجتماعی أو الثقافی المهیمن ولیس بسبب الفرد فی حد ذاته.
وتنشأ وتتطور ظاهرة الأنومیا أو أزمة غیاب المعاییر, فی عدة حالات ترتبط بالتغیرات السریعة الجذریة والحادة فى أى مجتمع سیاسیا وإجتماعیا وثقافیا واقتصادیا, کتطورات حادة غیر محسوبة أو متوقعة وقد تکون مذهلة , إذ یظهر ذلک فی حالات الحروب الأهلیة التی تنهار فیها سلطة الدولة المرکزیة, أو الأزمات الاقتصادیة کحالات الکساد أو المراحل الانتقالیة السریعة وغیر المضبوطة کالانتقال من نظم سیاسیة واقتصادیة معینة إلى أخرى جدیدة, بحیث تسبب مثل هذه الحالات حالة من عدم التکیف والفوضى وغیاب الثقة ویزداد الاعتراض والمقاومة, حیث یجد الفرد نفسه فی هذه الوضعیة الصراعیة عاجزا عن التوافق أو الإدماج الجماعی والانسجام مع الآخرین وغیاب التوافق الجمعى للمفاهیم والتصورات الجدیدة التی تنشأ عن تلک الحالات, بسبب البلبلة وعدم الیقین والشک.
ویوجد فى السیاق العالمى الکثیر من الأمثلة التاریخیة التى تبین الخطر الذی تمثله مثل هذه الظروف والأوضاع المتغیرة على التضامن واستقرار المجتمع، فالکساد الاقتصادی العظیم الذی ضرب الولایات المتحدة عام 1929 مثلا، نتجت عنه أزمة معاییر وغیاب لسلطة القانون، تسببت فی انتشار موجة رهیبة للجریمة المنظمة، عصفت بالولایات المتحدة قرابة العقدین من الزمن.
وذکر دورکهایم فى مناقشته وتحلیله للأسباب الانتحار أن المجتمع یسوده الانحلال والتفکک أو اللامعیاریة حیث تختفی القیم أو تتعارض وتتناقض ویرتفع مستوى القلق وتنتشر الفوضى.
واستطاع دورکهایم تطویر فکرته وکانت نظریته عن الانتحار ترکز على إمکانیة عزو التفاوتات فی معدلات الانتحار الى التفاوت فی مستوى التضامن الاجتماعی، فالمستویات المنخفضة من التضامن الاجتماعی وکذلک المستویات القویة بشکل مفرط للتضامن الاجتماعی من المتوقع أن تسبب ارتفاعا لمعدلات الانتحار، ومیز دورکهایم هنا بین التکامل والتنظیم باعتبارهما بعدین للتضامن الاجتماعی، وکان یعنی بالتکامل قوة الصلة التی تربط الفرد بالمجموعات الاجتماعیة، وکان یقیسه على تدرج یبدأ بالانانیة و ینتهی بالإیثاریة، ومن جهة اخرى کان یقصد بالتنظیم الدرجة التی تستطیع من خلالها قواعد ومعاییر المجموعة ومبادئها أن تنظم رغبات وتطلعات أفرادها، وکان دورکهایم یقیس ذلک على تدرج یبدأ من اللامعیاریة وینتهی بالجبریة.
وبحث روبرت مرتون ذلک بشکل أکثر عمقا من خلال التمییز بین عدد من الأشکال المختلفة التی یمکن أن تتخذها اللا معیاریة، وعندما یفتقد الأفراد الالتزام القوی بالمعاییر الثقافیة، ویکونون أکثر تأثرا بمصالحهم الذاتیة، فلا یمکن أن یتحقق التوافق والانسجام الاجتماعى، ویبدوا ذلک عندما تکون للفرص المتاحة للناس من الصعب أو المستحیل علیهم تحقیق ما یصبون الیه من غایات بوسائل مشروعة، فقد یرغبون فی ما یراه أفراد المجتمع الآخرون أهدافا تستحق السعی لها، الا أن افتقادهم الامکانات یحول بینهم وبین تحقیق الأهداف عبر الالتزام بالقواعد الاجتماعیة والتی لا یلتزمون بها التزاما قویا، واتفق مرتون مع دورکهایم فی هذه الحالة الأخیرة من اللامعیاریة کسمة خاصة للمجتمعات الحدیثة ، وأن الأفراد الى حد ما ضعفاء فی التوافق الاجتماعی مع الوسائل المقبولة مجتمعیا لتحقیق الأهداف، وقد میز مرتون بین أربع استجابات ممکنه لهذا النوع من اللامعیاریة .
      ومن النماذج على هذا النوع الأشخاص البیروقراطیون الذین یلتزمون بشکل صارم القواعد والاجراءات دون مراعاة لعوائدها وآثارها، بینما الانسحابیة فتکون رفض لکل من الوسائل المفروضة والغایات نفسها، وتحدث الاستجابة الأخیرة وهی التمرد عندما یرفض الناس الغایات والوسائل المشروعة معا، ویستبدلونها بوسائل وبدائل أخرى تفرض تحدیا للأفکار التقلیدیة ، وقد تتناقض معها تماما، وتتناقض هنا أفکار مرتون مع الواقع العالمى المتغیر وخاصة تأثر فئة الشباب حیث یتوافقون مع الغایات ویتباینون فى التوافق مع الوسائل المشروعة لتحقیق هذه الغایات ولایستبدلونها بالأفکار التقلیدیة حیث تمثل لدیهم عقبة غیر مرغوبة لتحقیق غایاتهم وإن لم تکن من أسباب التمرد وعدم التوافق والتکیف لدى الشباب ، بینما اکتشف دورکهایم ارتباط المستویات المرتفعة من اللامعیاریة بالمستویات المرتفعة من الانتحار والصراع الطبقی، فى حین ربطه مرتون بالمستویات المرتفعة من الابتکار والطقوسیة والانسحابیة والتمرد، حیث یرى أن الانحراف یحدث حینما یحدث تعارض بین الوسائل التی یحددها البناء الاجتماعی والأهداف التی یحددها البناء الثقافی للمجتمع.
 
 
الشباب وظاهرة الأنومى:
وبالرغم من أن عقد التسعینات قد مضى و أن الاستتباب النسبی للأمن أصبح واقعا, إلا أنه لا یمکن أن نجد الیوم شابا واحدا یمکن أن یجادل فی مخلفات سنوات الفوضى التی مر بها البلد, و السبب فی ذلک هو أن حالة الفراغ المعیاری و القیمی التی میزت تلک المرحلة, قد سمحت بظهور أشکال و أنواع لا حصر لها من الانحراف الفکری و السلوکی لدى الشباب, و یمکن تلمّس هذا الواقع داخل المجتمع الحالی من خلال عدة ظواهر واضحة, و لتحدید واقع الأنومیا الذی تتخبط فیها مجتمعاتنا ومؤسساتها بشکل مبسط - استنادا إلى النظریة العامة للأنومی-, یمکن أن نشیر إلى ثلاثة أسس عامة تتسبب فی انتشاره وتعزیزه فى الواقع المجتمعى:
أولا: إن الأهداف والطموحات التی یسعى إلیها الفرد الحالی وخاصة الشاب، أصبحت لا تتناسب أوتتوافق مع القدرات والمقومات السیاسیة، الاجتماعیة، الثقافیة والاقتصادیة الحالیة القائمة فى المجتمع، وهو ما سبب فى وجود هوة واضحة بین الشاب الذی رضع من العولمة وتأثر بثوراتها وقیمها، وأبعاد الواقع المجتمعی الاجتماعیة والاقتصادیة والثقافیة والسیاسیة.
ثانیا: إن المعاییر الاجتماعیة التی کان یُفترض بها أن تحکم مسیرة الأفراد وخاصة الشباب لتحقیق أهدافهم وطموحاتهم وفق قدراتهم ومؤهلاتهم، أصبحت شبه غائبة فی المجتمع، وهو ما أفسح المجال لسیطرة منطق اللامعیاریة والفوضى الناتجة عن فقدان الثقة فی القوانین المنظمة لسلوک المجتمع ومؤسساته ورموزه الثقافیة وغیرها، والشک غیر المبرر فى قدرات الآخرین فى المجتمع وقدرات مؤسساته وأدوات ووسائل تحقیق طموحاته.
ثالثا: إن الوسائل المؤسساتیة التی یضعها النظام الاجتماعی, من أجل تمکین الأفراد من تحقیق طموحاتهم, صارت – على العموم – أکبر خصم للطاقات الخلاقة والبناءة والکفاءات الحقیقیة, ذلک أن هذه المؤسسات ظلت لعقود تعانی من مشاکل البیروقراطیة أولا, ثم إن حالة اللامعیاریة التی مر بها المجتمع قد أوجدت منظومة مشوهة, تسیر وفق قیم غیر سویة, تسمح فی العادة للعناصر السلبیة أو الانتهازیة أو غیر الکفئة بالوصول إلى تلک المواقع, وهو ما یؤدی بالمقابل إلى تشکل نوع من البیئة الضاغطة أو المهمِّشة أو العدائیة تجاه العناصر الإیجابیة, التی تتمتع بقدر من الکفاءة والمستوى الراقی والتناغم مع المتطلبات العصریة, التی یمکن لها إحداث الفرق فی بناء الدولة والمجتمع على السواء, وهو ما یُعطینا أحد التفاسیر الکثیرة عن الوتیرة البطیئة للتطور السیاسی والاقتصادی والعلمی والثقافی......الخ  
نلاحظ إذن أن حالة الفوضى والفکر الصراعی التی تمیز مظاهر حیاة الإنسان الیومیة وعلى جمیع الأصعدة, تؤشر إلى حالة التشوّه والتفتت التی یعانیها البناء الاجتماعی ککل, فالمنظومة المعیاریة أضحت عاجزة بشکل مُقلق عن قیادة الأفراد إلى أماکنهم المناسبة فی المجتمع بالطرق السلیمة, وهو ما یعزز أکثر فأکثر حالة عدم التوافق والاغتراب داخل المجتمع والإحباط, التی تعزز بدورها مجموعة التصورات والقیم التی لا تزال تأخذ مکانها بقوة فی الوعی الجمعی للمجتمع, وهی قیم غیر مرغوبة, ولکنها تلقی بثقلها الشدید لتصوغ شکلا محددا من العلاقات الإنسانیة داخل المجتمع, یتسم بسلوکیات منحرفة, تسیطر علیها قیم سلبیة کقیم استغلال القوة والنفوذ والسلطة للهیمنة, أو الاحتیال على القانون والغش وثقافة الرشوة وغیرها, کطرق وأسالیب غیر مشروعة لتحقیق الأهداف والطموحات المشروعة لدى مختلف الشرائح.
إن الانتشار المقلق لمظاهر الإجرام والسرقة والاعتداءات وقطع الطرق وکثرة الاحتجاجات، وانتشار الأمراض العقلیة والعصبیة، ومظاهر الهجرة غیر الشرعیة وهروب الأدمغة والکفاءات نحو الخارج، وأزمة الانحلال الخلقی والفساد، کلها مظاهر لا یمکن تفسیرها بالرجوع إلى الظروف الاجتماعیة فحسب، فهذه الظواهر تولد حالة الضغط والإحباط الشدید التی یواجهها الشباب بسبب أزمة اللامعیاریة، والتی جعلته هو الآخر یتخلى عن مجموعة التصورات الأخلاقیة والمعاییر التی یخضع لها سلوکه، فی إطار البناء الاجتماعی العام.
إننا الیوم مجتمع أنومی بامتیاز, وبأن کل مواطن مهما کانت مکانته أو مستواه هو إنسان أنومی بشکل من الأشکال وبمستوى من المستویات, وأن التحدی الأکبر یکمن فی شجاعة الاعتراف بهذا الواقع وعدم التسلیم والرضوخ له, لیعمل کل فرد من أجل إصلاح الذات قبل الصراخ بإصلاح المجتمع ومؤسساته, حیث ینادى الکثیرمن الأفراد صائحین بإنقاذ الوطن وإصلاح أمور المجتمع, بینما سلوکیاتهم الیومیة لا تعکس الوطنیة أو الوعی الاجتماعی, وفى المقابل نرى شبابا من مختلف الفئات والمستویات, یقاومون بشدة مظاهر الانحراف والفساد المنتشرة انطلاقا من أنفسهم, معتمدین فی ذلک على مبادئهم الأخلاقیة.
الشباب من ثقافة التدرج التراکمى العقلانى لثقافة السرعة المذهلة اللاعقلانیة:
   إن الشباب بحکم عمره الزمنى والعقلى ومیله الشدید للتقلید والمحاکاة وتأثره بالتغیرات العالمیة الجدیدة تلک التى أحدثت سرعة مذهلة غیر متوقعة فى کثیر من مناحى الحیاة الانسانیة وإمتدت لوقائع الحیاة الیومیة ، -إنها حضارة وثقافة جدیدة تتسم بالسرعة المذهلة - وکذلک الثقافة القومیة بکل روافدها حتى أضحت السرعة المذهلة فى کل شىء – مثال ذلک الموسیقى والأغانى وسرعة تبادل المعلومات من خلال المیدیا ووسائل الاتصالات – وامتد لنمط الحیاة الیومیة کالطعام - ومن ساهمت المیدیا والانترنت کثیرا فى سرعة نقل الثقافات خاصة الغربیة ووجد الشباب نفسه أمام ثقافة تمثل حضارة کونیة سائدة تغزو العالم ببریقها وتتمیز بالسریعة فى ایقاعها فراح یقلدها، وانعکس على ثقافته السریعة فى کل شىء حتى حب التملک، إنه یرید أن یحقق طموحاته وأحلامه بسرعة مذهلة اکتسبها من الثقافة الوافدة والتى تغایر ثقافة التدرج التراکمى العقلانى فى ثقافته القومیة ، إنه یرید کل شىء فى أقصر وقت ممکن حتى لوتعارض ذلک مع قدراته وامکاناته، مما ینعکس على شعوره المتنامى بالأنومی واللامعنى إذا لم تتحقق طموحاته بالکم والکیفیة والسرعة التى یتصورها إنه عالم الغزو الثقافى والأنومیا اللاعقلانى.
ما الهویة؟
الهویة هو مصطلح یستخدم لوصف مفهوم الشخص وتعبیره عن فردیته وعلاقته مع الجماعات کالهویة الوطنیة أوالهویة القومیة أو الهویة الثقافیة، وجاء مصطلح الهویة فی اللغة العربیة من کلمة هو. والهویة هی مجمل السمات التی تمیز شخصا عن غیره أو مجموعة عن غیرها. کل منها یحمل عدة عناصر فی هویته. عناصر الهویة هی شیء متحرک دینامیکی یمکن أن یبرز أحدها أو بعضها فی مرحلة معینة وبعضها الآخر فی مرحلة أخرى، ومن ثم فعناصرها حرکیة متغیرة غیر متکافئة فى الحرکة والظهور والأولویة.
الهویة الشخصیة الذاتیة تعرف شخصا بشکله واسمه وصفاته وجنسیته وعمره وتاریخ میلاده وثقافته بکل ماتحمله الثقافة من معنى حتى الملبس والأدوات واللهجة. بینما الهویة الجمعیة وطنیة أو قومیة تدل على سمات ومیزات مشترکة أساسیة لمجموعة من البشر تمیزهم عن الآخرین ثقافیا وکل مناحى حیاتهم وعلاقاتهم الاجتماعیة حتى بیلوجیا وسلالاتهم وأصولهم الانحداریة، ویتشابه أفراد المجموعة فى السمات والمیزات الأساسیة التی کونتهم کمجموعة، وربما یختلفون فی عناصر أخرى لکنها لا تؤثر على کونهم مجموعة. فما یجمع الشعب المصرى مثلا هو وجودهم فی وطن واحد ولهم تاریخ طویل مشترک، ومواطنة واحدة، وتراث حضارى وثقافى مشترک وأصول عرقیة وسلالات مشترکة وغیرها من العناصر، کل هذا یجعلهم شعبا متمایزا عن غیرهم من باقى شعوب المعمورة.
ومن أهم العناصر التی تبلور الهویة الجمعیة اشتراک الشعب أو المجموعة فی: الأرض، اللغة، التاریخ، الحضارة، الثقافة، والسلالات والطموح وغیرها سواء موقع جغرافی و ذاکرة تاریخیّة وطنیة مشترکة وثقافة شعبیّة موحّدة وحقوقٌ وواجباتٌ مشترکة واقتصاد مشترک ،وتؤدى التغیرات المجتمعیة لاهتزاز عنصر أو أکثر من هذه العناصر مما یؤثر سلبا على الهویة الوطنیة أو القومیة ، کما أن قوة وسرعة هذه التغیرات یرتبط حتما بدرجة وقوة اهتزاز مثل هذه العناصروالهویة الوطنیة أوالقومیة، وقد أدى الغزو الثقافى للرأسمالیة والتکنولوجیا الحدیثة خاصة فى الاتصالات والمعلومات والمیدیا إلى بلورة الهویة العالمیة وهى هویة کونیة باعتبار العالم قریة واحدة ومن ثم تتصارع الهویتین القومیة کالهویة العربیة والعالمیة کعائد للثورة الکونیة ویجد فئات المجتمع أنفسهم أمام ثقافتین وهویتین متصارعتین فیفقدالثقة ویشعر بالاغتراب واللامعنى ویتسم بالنومى کظاهرة حتمیة احدثتها التغیرات الکونیة سریعة الوتیرة والتلاحق، حیث تعبر الهویة عن الواقع بکل أبعاده المختلفة وتنسجم معه 
إن الهویّة ترتبط بالوعی بالذّات الثقافیّة والاجتماعیّة، فذات الانسان هى هویته الذاتیة أو الشخصیة، وللهویة عناصر ثابتة وأخرى متغیرة فالموقع الجغرافى واللغة مثلا من الثوابت لایمکن تغیرها بینما توجد عناصر توصف بأنها متغیرة غیر ثابتة، وتصاب بالتحول والاهتزاز طبقا لدرجة وسرعة تغیر وتحوّل الواقع المجتمعی بأبعاده المختلفة، ومن ثم فهی الخصوصیّة والذّاتیّة وهی ثقافة الفرد ولغته وعقیدته وبنائه وشکله الجسمانى البیولوجى وحضارته وثقافته وقیمه ومعاییره وتاریخه. الهویّة جزء لا یتجزّأ من منشأ الفرد ومکان ولادته، وتشتق الهویّة فی الّلغة من الضّمیر هو والاتحاد بالذات. ووعاء ومحتوى الضّمیر الجمعی لأیّ تکتّل بشریّ، بما یشمله من قیم وعاداتٍ ومقوّمات تکیّف وعی الجماعة وإرادتها فی الوجود والحیاة داخل نطاق الحفاظ على کیانها.
ویشیر  التاریخ البشرى لعدد من الهویات القومیة أو الوطنیة تطورت بشکل طبیعی عبر التاریخ وعدد منها نشأ بسبب أحداث أو صراعات أو تغیرات تاریخیة سرعت فی تبلور المجموعة، بینما تبلور جزء من الهویات على أساس النقیض لهویة أخرى، ویوجد تیارات عصریة تنادی بنظرة حداثیة إلى الهویة وتدعو إلى إلغاء الهویة الوطنیة أو الهویة القومیة  والانخراط فى الهویة العالمیة باعتبار التغیرات والثورة کونیة والعالم قریة واحدة ، وأعتقد أن ذلک لم ولن یحدث مستقبلا فى إطار القومیات والشعوب والتراث الحضارى والثقافى الذى یمیز الأمم والشعوب لیس ثقافیا وفکریا فقط ولکن بیلوجیا کذلک.
الهویة والأیدیولوجیة:
   تعبر الأیدیولوجیا عن وقائع الفکر القومى والثقافة الوطنیة السائدة، وأنسب فکر أیولوجى فی أى مجتمع هوذلک المرتبط إرتباطا عضویا قویا بالبعد الفکرى الثقافى القائم فى المجتمع بکل روافد الثقافة وماتحمله من معنى، ذلک الفکر الذى أجمع علیه الأفراد والوطن والأمة وتم بنائه عبر تاریخ مجتمعى طویل إنه یحدد إلى حد کبیر الهویة المجتمعیة وهویة مواطنیه کمیراث ثقافى یمیزالمواطنین ومجتمعهم.
     ومن ثم ترتبط الهویة بالأیدیولوجیة ارتباطا جوهریا وأى تغیر أو اهتزازأو خلل أو غزو یصیب أحدهما یؤثر بالتالى فى الآخر وینعکس على المواطنین وخاصة الشباب وطموحاتهم.
فالمجتمع المصرى أیدیولوجیا حاول تبنى الرأسمالیة قبل 1952ولکنه لم یکن راسمالیا لأن وقائع المجتمع لم تفرز تلک الراسمالیة التى أضحت متوحشة فیما بعد وبعد 1952 حاول أن یکون اشتراکیا فى أیدیولوجیته ولکنه أیضا لم یکن کذلک ولنفس السبب وحاول العودة بعد ذلک للرأسمالیة ولکنه لمیکن أیضا کذلک ولنفس السبب وأضحت الراسمالیة متوحشة وبعد 2011 حاول أن یکون دیمقراطیا ولکن تحولت لفوضى ولنفس السبب أیضا ، إنها تجارب ایدیولوجیة عامضة تعکس بلاشک التذبذب والخلل الأیویولوجى مما یترتب علیه بالضرورة تشوشا وتشوها فى الهویة القومیة بکل متغیراتها.
الصراع بین الهویتین القومیة والعالمیة فى عالم متغیر:
   إن الصراع دائما لصالح الأقوى والهویة العالمیة تتمحور فى الهویة الکونیة التى أحدثتها العولمة وما سببته من تغیرات کونیة، ویمکن تحلیل الصراع التصادمى بین الهویتین القومیة والعالمیة فى عالم متغیر من خلال المتغیرات التالیة:
المیدیا والصراع الثقافى: 
تثیر وسائل الاتصال الحدیثة بزعامة شبکة الانترنت مشکلات متعددة معرفیة وعملیة. 
ولعل أهم هذه المشکلات هو تضارب الآراء حول الآثار الإیجابیة والسلبیة لهذه الوسائل الجدیدة. 
فهل صحیح- کما یذهب عدید من أنصار الثورة الاتصالیة- أن العالم أصبح أکثر شفافیة بفضل شبکة الانترنت وما تتیحه من إمکانات الحوار المفتوحة بین البشر من کل أنحاء العالم، أم أن الوضع على العکس من ذلک، حیث لم تؤد العولمة الاتصالیة إلى الشفافیة المطلوبة، بحکم الحواجز والقیود المختلفة التى تمنع فئات عریضة من البشر لا تستطیع النفاذ إلى شبکة الانترنت، ولا الاستفادة من جمیع المواقع على الشبکة، لأن عدداً کبیراً منها أصبح مثل النوادى المغلقة، لا یسمح للغرباء بدخولها إلا إذا دفعوا الثمن. 
وإذا أضفنا إلى ذلک أن المرحلة التاریخیة الراهنة تتسم بصراع ثقافى واسع المدى بین أطراف متعددة ومختلفة، حاول کل طرف أن ینتج خطاباً یهیمن فیه على الآخرین، سیاسیاً واقتصادیاً وثقافیاً، لأدرکنا صعوبة الإبحار فى محیطه، شبکة الانترنت بغیر منهج تحلیلى مرهف، ورؤیة نقدیة بصیرة.
والمتتبع لهذا الصراع الثقافى سیدرک أنه یدور فى مجالات قدیمة وإن کان بأسالیب مستحدثة، أبرزها الصراع الأیدیولوجى حیث تحاول الرأسمالیة المعاصرة باسم العولمة أن تجعل خطابها لکل ما یتضمنه من حقائق وأساطیر أن یکون هو الخطاب السائد، فاللبرالیة هى المبدأ السیاسى المعتمد، وحریة التجارة ورفع کل القیود أمامها هى المبدأ المقدس، والتنافس العالمى فى ظل وهو الندیة الکاملة بین جمیع الدول لا فرق بین المتقدمة منها والنامیة هو الفلسفة الجدیدة. 
غیر أن هناک مجالات جدیدة یدور فیها الصراع الثقافى باسم الخصوصیة الثقافیة التى تحاول الوقوف ضد موجات العولمة المتدفقة، وبعض هذه المحاولات ینطلق من مبادئ مشروعة ترید تأکید حق الهویات الثقافیة المختلفة أن تعیش وتحیا وتزدهر فى عصر العولمة، بدلاً من الدعوات البدائیة لتنمیط وتوحید أسالیب حیاة البشر وفق قیم الحضارة الغربیة. 
غیر أن هناک فى المجال محاولات تنطلق من رؤیة مغلقة للتاریخ، لا تؤمن بالتقدم الإنسانى، وترید إقامة أسس المجتمع المعاصر فى ضوء الارتداد إلى مرجعیات الماضى، من خلال اتجاه انعزالى یظن أنه یستطیع أن یحمى الثقافة والمجتمع من مفاسد العولمة حلبات الصراع الثقافى الکونى على شبکة الإنترنت ذاتها دعوات الإحیاء الثقافى الأصیلة، مع نزعات الرجعیة السیاسیة والمحافظة الثقافیة.
غیر أنه یمکن القول أن الصراع الثقافى الدائر على شبکة الإنترنت لیس أحد مظاهر الثورة الاتصالیة الحدیثة، غیر أن لهذه الثورة آثاراً اجتماعیة ونفسیة وثقافیة ومعرفیة بالغة الأهمیة وتستحق منا أن نقف أمامها بالدراسة والتحلیل. ولعل أبرز هذه الآثار ما یتعلق بالممارسات التى تتم فیما یطلق علیه الواقع الافتراضى أو الظاهرى.
فقد أصبح الیوم ممکناً – بفضل شبکة الإنترنت – أن ینعقد مؤتمر یضم ثلاثمائة أکادیمى لمناقشة أحد الموضوعات السیاسیة أو الاقتصادیة کحرکة "الطریق الثالث" على سبیل المثال دون أن یجتمعوا بالفعل. وذلک عن طریق دعوة على شبکة الإنترنت من جامعة معینة ولتکن فى انجلترا أو فرنسا للعلماء الراغبین فى تسجیل أسمائهم فى المؤتمر عن طریق البرید الإلکترونى – بأبحاثهم فى الموضوع المحدد حسب اختیارهم وهذه الأبحاث ستنتشر على الشبکة وسیتم النقاش والحوار حولها، أى أن یصل المؤتمر إلى أى دولة فى العالم، ومن هنا قد نجد فى مثل هذا المؤتمر الافتراضى إسهامات من الصین والهند والیابان، بالإضافة إلى الإسهامات الأوربیة والأمریکیة.
نحن نعیش إذن فى عالم جدید یقف فیه الواقع الافتراضى جنباً إلى جنب بجانب الواقع الحقیقى لدرجة أنه یمکن القول أن هذا الواقع لیس هو الواقع غیر المادى أو غیر الملموس، ولکنه واقع جدید لا یقل أهمیة عن الواقع الحقیقى.
وإذا أضفنا إلى ذلک أن – وفق بعض التقدیرات – قوة العمل من خلال وسائل الاتصال الحدیثة بمعنى عدم ضرورة توجههم کل یوم إلى مکان العمل، لن تقل عن نسبة 20% لأدرکنا أى تغییر عمیق سیصیب العمل الإنسانى ونوعیة الحیاة اجتماعیة ذاتها.
وفى مجال التعلیم، عن بعد، سیصبح هو بفضل وسائل الاتصال الحدیثة، وسیلة التعلیم، التى یمکن أن تتلاقى سلبیات وسائل التعلیم التقلیدیة، ومن ناحیة أخرى، فإن لوسائل الاتصال الحدیثة آثاراً بالغة العمق فیما یتعلق بالجوانب المعرفیة للإنسان، فعملیات مثل التدریب والتذکر والنشاط البحثى لن تتعامل بعد الآن مع معرفة متغیرة ومتجددة ولکنها ستتعامل مع معرفة متغیرة ومتجددة فى کل لحظة مما سیجعل هذه العملیات بذاتها تسهم فى المعرفة الجدیدة، وهذه المعرفة الجدیدة سیتم استخلاصها من رکام ضخم من العملیات المتناثرة والمفتتة، وهذا الواقع یدعو إلى القیام بثورة تعلیمیة تؤدى إلى تشکیل العقلیة التحلیلیة والنقدیة، القادرة على الربط الذکى والفعال بین هذه العملیات المتناثرة، وصیاغتها فى شکل خطاب معرفى متصل.
ومن هنا فوجهة النظر التى تظن أن شبکة الإنترنت تحوى مضامین المعلومات، تستطیع أن یأخذ منها ما شاء، تعقد عن فهم أهمیة الانتقال من المعلومات إلى المعرفة. ومن أهمیة الالتفات إلى أننا نعبر الآن من مجتمع المعلومات العالمى إلى مجتمع المعرفة العالمى من خلال جسور التحلیل والنقد والترکیب، ومن هنا أصبح الاتجاه الآن إلى تشکیل مجتمعات المعرفة، التى تقوم على اقتصادیات المعرفة والتى لا تقنع بالمعلومات وإنما ترتقى بها من خلال أدوات شتى إلى مستوى المعرفة الراقیة والفعالة والمنتجة.
شراء المعلومات والغزو الاتصالى:
وإذا کنا قد عرضنا الجوانب المشرقة من الثورة الاتصالیة الکبرى إلا أن هذا قد یحمل على الظن بأننا بصدد یوتوبیا أو مدینة فاضلة تکنولوجیة یتاح فیها لکل أنماط البشر بغیر تفرقة على أساس الجنس أو اللون أو الدین أن یتفاعلوا معاً وینعموا بالثمار من خلال تنوع المعلومات، والمعارف الإنسانیة التى لا حدود لها.
غیر أن بعض الباحثین البارزین ومن أهمهم (جیروم) عالم الاجتماع الفرنسى یذکرنا بالجانب المظلم فى الصورة ویقرر:
أن هناک فى العالم المعاصر 600.000 مدینة وقریة تفتقر إلى الکهرباء تضم نحو بلیونى إنسان ومن هنا السؤال: ماذا تعنى الوسائل الاتصالیة الحدیثة بالنسبة لهم؟
وهناک أیضاً 80% من سکان العالم لیست لدیهم الوسائل الأساسیة للاتصالات السلکیة واللاسلکیة.
وتؤثر المیدیا بصورة الحدیثة کذلک على ازدواجیة القیم والثقافة بین من لدیهم القدرات الاتصالیة ویفتقرون إلیها معرفیاً أو لعدم قدراتهم المادیة.
المیدیا والمتغیرات الثقافیة الإیجابیة:
    إن التطورات الهائلة فى مجال تکنولوجیا الاتصال والمعلومات قد احتوى بین ثنایاه بعض التغیرات الثقافیة الإیجابیة التى یمکن رصدها فى النقاط التالیة:
تعاظم قدرة المتلقى الفرد على تجاوز الدائرة الضیقة للإعلام الوطنى فى ظل الثورة التکنولوجیة للاتصال المرئى – وإتاحة فرصة التفاعل مع عدد متکاثر من محطات البث الفضائى التلفزیونى، یتنوع فیها اللغات واللهجات والثقافات بما یلبى جمیع الاحتیاجات الاتصالیة لمتلقیها، أو مستوى تنافسى عال.
اتساع مساحة الحریة المتاحة أمام المتلقى وتزاید قدرة القنوات الفضائیة غیر الحکومیة على مناقشة جمیع القضایا بطرح الرأى والرأى الآخر، بحیث صارت تلک القنوات ساحات للممارسة الدیمقراطیة التى تفتقرها على مستوى الواقع أغلب دول الجنوب.
وعلى مستوى الاتصال الشخصى، فإن ظهور شبکة الإنترنت وانتشارها عالمیاً قد فتح هو الآخر مجالات لا حدود لها لمعرفة واکتساب المعلومات بجانب ما وفرته من سهولة الاتصال قلیل التکلفة والمعلومات المتنوعة، والمعارف الإنسانیة التى لا حدود لها.
الانفتاح على الثقافات الأخرى وعدم الانغلاق ولکن یجب أن یکون انفتاحاً واعیاً.
المیدیا والشخصیة التنمویة: تؤثر المیدیا فى بناء وإیجاد الشخصیة التنمویة فى بعض جوانبها المعرفیة والثقافیة کالشخصیة المعرفیة المنفتحة على الثقافات والمعارف الأخرى، ولکنها شخصیة متصارعة قیمیاً بین قیم مجتمعیة وأخرى مکتسبة، وبذلک فقد تکون شخصیة تعتمد على التقلید والمحاکاة أکثر من ارتباطها بالواقع المجتمعى وذوبان الثقافات الوطنیة فى إطار الثقافة الغربیة بمفاهیمها وقیمها ورؤیاها، الأمر الذى قد یؤدى إلى تشویه تلک الثقافات ونفى هویتها القومیة فى نهایة الأمر.
وتؤثر المیدیا کذلک فى الوعى والإدراک الاجتماعى الفردى والمجتمعى واللغة والدین والسلوک والهویة والانتماء والشخصیة فى المجتمع الواحد من خلال تباینات شتى فى إدراک هذه الأبعاد والوعى بدرجة تأثیرها.
ونعتقد بأنه لا یمکن أن یکون هناک وعیاً وإدراکاً کونیاً لثقافة واحدة للمجتمع العالمى کمجتمع واحد بأى حال من الأحوال. فتیارات المیدیا والعولمة لیست متجانسة وتغزو کذلک مجتمعات عالمیة غیر متجانسة.
ویجب مقابلة ما تحدثه المیدیا من آثار بشخصیة تتسم بروح الاقتحام والاکتشاف، والتى یمکنها أن توظف نفس قنوات المیدیا وما أتاحته من فرص وطرق اتصال لیضخ إلیهم أحسن ما نملک من ثقافة وقیم وسلوک وذلک بروح التحدى والإصرار.
التغیرات العالمیة ثورة کونیة:
تعتبر العولمة منهجا فکریا، فهى بالتالى تشکل نمط الحضارة لها مکوناتها الاقتصادیة والاجتماعیة والسیاسیة والثقافیة.
وإذا سلمنا بان العولمة، هى فرض نمط من أنماط الحضارة على باقى الأمم والشعوب، لأیقنا أن القضیة هى قضیة حضاریة.
فالعولمة لیست مؤامرة یقودها الغرب، بل هى تداعیات تاریخیة، أفضت إلى واقع نعیشه الیوم ونتعایش معه، فرواد العولمة یعتقدون أن العولمة هى أفضل ما وصل إلیه الإنسان من النظم، فهم بالتالى یسعون إلى فرضها على باقى الأمم طالما تحقق لهم المصلحة وتمکنهم من بسط سیادتهم على الآخرین.
الامتزاج الحضارى: 
یعد هذا المفهوم أکثر واقعیة من حوار الحضارات أو صدام الحضارى بثلاث مراحل متتابعة مرحلة الحوار الحضارى فمرحلة الصدام، وأخیرا مرحلة الامتزاج الحضارى.   
حیث تؤدى العولمة بطبیعتها إلى امتزاج الثقافات لا الصدام بینها أو حتى مجرد الحوار بین هذه الثقافات التى تنتقل من ثقافة الحضارة المهیمنة الأکثر قوة إلى  ثقافة الحضارات الأقل قوة ممتزجة ومتفـاعلة معا، وغالبا ما تکون ثقافات مختلطة بعیدة عن الثقافة المهیمنة أو حتى المحافظة على الهویة الثقافیة الوطنیة، وینتج تفکک وتشتت ثقافى فى المجتمع یصعب معه صنع سیاسات رعایة اجتماعیة واقعیة ترتبط بهذه الثقافات من ناحیة، کذلک یصعب تحقیق أهداف سیاسات الرعایة الاجتماعیة من ناحیة أخرى فى بناء وتنمیة الإنسان فى المجتمع.
 لیست هناک ثقافة عالمیة واحدة، بل ثقافات... 
إننا نقصد ب "الثقافات" هنا ذلک المرکب المتجانس من الذکریات والتصورات والقیم والرموز والتعبیرات والإبداعات والتطلعات التى تحتفظ لجماعة بشریة تشکل أمة ما فى معناها بهویتها الحضاریة فى إطار ما تعرفه من تطورات بفعل دینامیتها الداخلیة وقابلیتها للتواصل والأخذ والعطاء وبعبارة أخرى: إن الثقافة هى المعبر الأصیل عن الخصوصیة التاریخیة لأمة من الأمم عن نظرة هذه الأمة إلى الکون والحیاة والموت والإنسان ومهامه وقدراته وحدوده وما ینبغى أن یعمل وما لا ینبغى أن یأمل .
تلزم عن هذا التعریف، لزوما ضروریا النتیجة التالیة وهى أنه لیست هناک ثقافة عالمیة واحدة، ولیس من المحتمل أن توجد فى یوم من الأیام، وإنما وجدت وتوجد وستوجد ثقافات متعددة متنوعة تعمل کلا منها بصورة تلقائیة، أو بتدخل إرادى من أهلها على الحفاظ على کیانها ومقوماتها الخاصة، ومن هذه الثقافات ما یمیل إلى الانغلاق والانکماش، ومنها ما یسعى إلى الانتشار والتوسع ومنها ما ینعزل حینا وینتشر حینا.
ویستلزم ذلک أهمیة الحفاظ على الهویة الثقافیة ودراسة وتحدید الشخصیة التنمویة فى المجتمع ومقوماتها بأبعادها الثقافیة المختلفة، وأهمیة التصدى لتیارات الثقافة الوافدة والتى تؤثر على البعد الثقافى للتنمیة فى المجتمع، والاختراق الثقافى لثقافة المجتمع والذى یؤدى بدوره إلى اختفاء قیم وثقافات مدعمة لعملیة التنمیة فى المجتمع، والأدوات والوسائل المشروعة والمقبولة إجتماعیا لتحقیق الغایات والطموحات.
 
 الهویة الثقافیة مستویات أربع: 
فردیة وجمعویة ووطنیة قومیة وعالمیة، والعلاقة بین هذه المستویات تتحدد أساساً بنوع "الآخر " الذى تواجهه إن الهویة الثقافیة کیان بصیر یتطور، ولیست معطى جاهزا ونهائیا. هى تسیر وتتطور إما فى اتجاه الانکماش، وإما فى اتجاه الانتشار، وهى تغتنى بتجارب أهلها ومعاناتهم، انتصاراتهم وتطلعاتهم، وأیضا باحتکاکاتهم سلبا وإیجابا مع الهوایات الثقافیة الأخرى التى تدخل معها فى تغایر من نوع ما.
وعلى العموم تتحرک الهویة الثقافیة على ثلاث دوائر متداخلة ذات مرکز واحد: فالفرد داخل الجماعة الواحدة، قبیلة کانت أو طائفة أو جماعة مدنیة (حزبا أو نقابة...الخ) هو عبارة عن هویة متمیزة ومستقلة، عبارة عن "أنا" لها أخر داخل الجماعة نفسها "أنا" تضع فى مرکز الدائرة عندما تکون فى مواجهة مع هذا النوع من "الآخر".
والجماعات داخل الأمة، هى کالفرد داخل الجماعة، لکل منها ما یمیزه داخل الهویة الثقافیة المشترکة ولکل منها "أنا" خاصة بها و"آخر " من خلاله تعبر وتتعرف على نفسها بوصفتها لیست إیاه.
والشئ نفسه یقال بالنسبة إلى الأمة الواحدة إزاء الأمم الأخرى، غیر أنها أکثر تجریدا وأوسع نطاقا، وأکثر قابلیة للتعدد والتنوع والاختلاف.
هناک إذن ثلاثة مستویات فى الهویة الثقافیة لشعب من الشعوب: الهویة الفردیة والهویة الجمعویة والهویة الوطنیة (أو القومیة) والعلاقة بین هذه المستویات لیست ثابتة، بل هى مد وجزر دائمین بتغییر مدى کل منها اتساعا وضیقا، بحسب الظروف وأنواع الصراع واللاصراع، والتضامن واللاتضامن، والتى تحرکها المصالح الفردیة والجمعویة والمصالح الوطنیة والقومیة.
وبعبارة أخرى إن العلاقة بین هذه المستویات الثلاثة تتحدد أساسا بنوع "الآخر" بموقعة فان کان داخلیا، ویقع فى دائرة الجماعة، فالهویة الفردیة هى التى تفرض نفسها کـ "أنا" وإن کان یقع فى دائرة الأمة فالهویة الجمعویة (القبلیة، الطائفیة، الحزبیة... الخ) هى التى تحل محل "الأنا الفردى" أما إن کان "الآخر" خارجیا (أى یقع خارج الأمة والدولة والوطن) فان الهویة الوطنیة - أو القومیة هى التى تملأ مجال "الأنا"
  لا تکتمل الهویة الثقافیة إلا إذا کانت مرجعیتها إجماع الوطن والأمة والدولة:
لا تکتمل الهویة الثقافیة، ولا یبرز خصوصیتها الحضاریة ولا تغدو هویة ممتلئة قادرة على نشدان العالمیة، على الأخذ والعطاء، إلا إذا تجسدت مرجعیتها فى کیان مشخص تتطابق فیه ثلاثة عناصر: الوطن، والأمة، والدولة، هذه المرجعیة تجعلها مقبولة ویتوافق الأفراد ویلتزمون بثقافاتها ویتفبلون الضوابط المجتمعیة الرسمة وغیر الرسمیة.
ثقافة الاختراق تقوم على جملة أوهام هدفها:    
 "التطبیع" مع الهیمنة وتکریس الاستتباع الحضارى .
حیث تتولى القیام بعملیة تسطیح الوعى، واختراق الهویة الثقافیة للأفراد والأقوام والأمم، ثقافة جدیدة تماما لم تشهد التاریخ من قبل لها مثیلاً: إشاریة إعلامیة سمعیة وبصریة تصنع الذوق الاستهلاکى (الإشهار التجارى) والرأى السیاسى (الدعایة الانتخابیة) وتشیید رؤیة خاصة للإنسان والمجتمع والتاریخ، إنها "ثقافة الاختراق" التى تقدمها العولمة بدیلا عن الصراع الأیدیولوجى.
 نظام یعمل على إفراغ الهویة الجماعیة من کل محتوى ویدفع إلى التفتیت والتشتیت.
لیربط الناس بعالم اللاوطن واللاأمة واللادولة، أو یغرقهم فى أتون الحرب الأهلیة. 
    ومع التطبیع مع الهیمنة والاستسلام لعملیة الاستتباع الحضارى یأتى فقدان الشعور بالانتماء لوطن أو أمة أو دولة، من دون أمة من دون وطن، إنه عالم المؤسسات والشبکات العالمیة، عالم الفاعلین وهم المسیرون "والمفعول بهم" وهم المستهلکون للسلع والصور والمعلومات والحرکات والسکنات التى تفرض علیهم أما وطنهم فهو الفضاء المعلوماتى الذى تصنعه شبکات الاتصال، الفضاء الذى یحتوى یسیطر ویوجه الاقتصاد والسیاسة والثقافة.
العولمة نظام یقفز على الدولة والأمة والوطن نظام یرید رفع الحواجز والحدود أمام الشبکات والمؤسسات والشرکات المتعددة الجنسیة، وبالتالى إذابة الدول الوطنیة وجعل دورها یقتصر على القیام بدور الدرکى لشبکات الهیمنة العالیة، والعولمة تقوم على الخصوصیة، أى على نزع ملکیة الوطن والأمة والدولة، ونقلها إلى الخواص فى الداخل والخارج، وهکذا تتحول الدولة إلى جهاز لا یملک ولا یراقب ولا یواجه، وإٍضعاف سلطة الدولة والتخفیف من حضورها لقیادة العولمة یؤدیان حتما إلى استیقاظ وإیقاظ أطر للانتماء سابقة على الأمة والدولة، أعنى القبیلة والطائفة والجهة والتعصب المذهبى... الخ والدفع بها جمیعا إلى التقابل والتناحر والإفناء المتبادل والى تمزیق الهویة الثقافیة الوطنیة القومیة.. إلى الحرب الأهلیة.
ولا بد من التأکید هنا على أن مفهوم الهویة الثقافیة القومیة هنا بمعنى الهویة المشترکة لجمیع أبناء العرب من المحیط إلى الخلیج لا یعنى قط إلغاء ولا إقصاء الهوایات الوطنیة القطریة ولا الهوایات الجمعویة، الإثنیة والطائفیة، إنه لا یعنى فرض نمط معین على الأنماط الثقافیة الأخرى،المتعددة والمتعایشة، عبر تاریخنا المدید داخل الوطن العربى الکبیر، کلا إن التعدد الثقافى فى الوطن العربى واقعة أساسیة لا یجوز القفز علیها، بل بالعکس لا بد من توظیفها بوعى فى إغناء وإخصاب الثقافة العربیة القومیة وتوسیع مجالها الحیوى، ولکن تبقى مع ذلک کله الوظیفة التاریخیة لهذه الثقافة، وظیفة التوحید المعنوى، الروحى والعقلى، وظیفة الارتفاع بـ "الوطن العربى" من مجرد رقعة جغرافیة إلى وعاء للأمة العربیة لا تکون إلا به ولا یکون إلا بها، هذه من جهة ومن جهة أخرى فاللغة المشترکة بین أبناء الأمة العربیة لغة التراث المشترک ولغة العلم والثقافة العالمة جملة، بالتالى لغة التحدیث والحداثة، هى اللغة العربیة ولذلک کانت اللغة العربیة هى فى أن واحد الرابطة المتینة التى توحد بین مستویات الهویة فى الوطن العربى، أعنى المستوى الفردى والمستوى الجمعوى الوطنى والقومى، والأداة الوحیدة التى یمکن بها العرب الدخول فى العالمیة وتحقیق الحداثة.
الثنائیة والانشطار فى الهویة الثقافیة:
أدت العولمة دورا سلبیا فى تکریس الثنائیة والانشطار فى الهویة الثقافیة القومیة ، فکلنا نعرف الثقافة العربیة تعانى منذ ما یقرب من قرنین، وضعا متوترا نتیجة احتکاکها مع الثقافة الغربیة بتقنیاتها وعلومها وقیمها الحضاریة التى هى نتیجة تطور خاص قوامه التحدیث والحداثة، تطور لم تعشه الثقافات العربیة، بل بقیت بمعزل عنه تجتر وضعا قدیما توقف عن النمو منذ قرون.
ومن هنا تلک الثنائیة التى تطبع الثقافة بمختلف مستویاتها المادیة والروحیة، ثنائیة التقلیدى والعصرى، وهو ثنائیة تکرس الازداوجیة والانشطار داخل الهویة الثقافیة بمستویاتها الثلاثة أحد طرفى هذه الثنائیة الهویة الثقافیة على صورة "جمود" على التقالید ضمن قوالب ومفاهیم وآلیات دفاعیة تستعصى اکتساحا لیتحول إلى ثقافة الاختراق، وهى الثقافة المباشرة به المکرسة له.
استنتاجات ختامیة:
      إن الهویة القومیة فى عالم مضطرب والشباب أکثر الفئات المجتمعیة تأثرا بهذا الاضطراب العالمى الذى یؤدى بدورة لتشویش الهویة لدیهم حیث یعکس الواقع غموضا للهویة وتباینا أیدیولوجىا لایفرزه وقائع المجتمع وتراثه الثقافى الحضارى والبناء الثقافى القیمى فى المجتمع فى مسار وبناء الهویة فى مسار آخر وأیدیولوجیة المجتمع لایعکس ولا تلتقى مع البناء الثقافى القیمى الحضارى، وکأن العالم ثقافة واحدة مشوهه متعددة فى المجتمعات المستقبلة للغزو الثقافى لثقافات الرأسمالیة المتوحشة.
     إنه صراع للحضارات والثقافات ینعکس سلبا على الثقافة والهویة الثقافیة القومیة لدى الشباب والتى أضحت لدیهم لاتصنع بریق الحضارة بایقاعها البطىء کما یتصورون وراحوا یقلدون دون وعى ثقافة وهویة المجتمعات أصحاب الحضارة کمثل نموذجى للحضارة الانسانیة الأسمى إنه صراع قومیات بثقافاتها وروافدها المختلفة ، غیر أن الهویة القومیة لایمکن أن تمحى مهما کان قوة الغزو والاختراق الثقافى.
     فى هذا الإطار یجب أن نضع خصوصیة العلاقة بین العولمة والهویة الثقافیة عندما یتعلق الأمر بالقومیة، فالاختراق الثقافى الذى تمارسه العولمة لا یقف عند حدود تکریس الاستتباع الحضارى بوجه عام، بل إنه سلاح خطیر یکرس الثنائیة والانشطار فى الهویة الوطنیة القومیة، لیس الآن فقط بل وعلى مدى الأجیال الصاعدة والقادمة، وذلک أن الوسائل السمعیة البصریة المرئیة واللامرئیة التى تحمل هذا الاختراق وتکرسه إنما تملکها وتستفید منها فئة معنیة هى النخبة العصریة وحواشیها، فهى التى تستطیع امتلاکها والتعامل مع لغاتها الأجنبیة بحکم التعلیم العصرى الذى تتلقاه أما "هموم الشعب " وعلى رأسه النخبة التقلیدیة فهو شبه عزلة. یجتر بصورة أو أخرى ثقافة الجهود على التقالید والنتیجة استمرار إعادة إنتاج متواصلة ومتعاظمة للثنائیة نفسها، ثنائیة التقلیدى والعصرى، ثنائیة الأصالة والمعاصرة فى الثقافة والسلوک، وینعکس کل ذلک حتما على تعمیق الأنومى والامعیاریة لدى الشباب، فکلما زاد الانشطار الثقافى إشتدت الثائیة وتعمقت أکثر اللامعیاریة والأنومى لدى الشباب، إنها فرضیة لعلاقة ثلاثیة صحیحة.
   أنه لیست هناک ثقافة عالمیة واحدة، ولیس من المحتمل أن توجد فى یوم من الأیام، وإنما وجدت وتوجد وستوجد ثقافات متعددة متنوعة تعمل کلا منها بصورة تلقائیة، أو بتدخل إرادى من أهلها على الحفاظ على کیانها ومقوماتها الخاصة، ومن هذه الثقافات ما یمیل إلى الانغلاق والانکماش، ومنها ما یسعى إلى الانتشار والتوسع ومنها ما ینعزل حینا وینتشر حینا.   
    ولایمکن تحلیل الظواهر والقضایا والمشکلات الاجتماعیة بمعزل عن السیاق العالمى المؤثر والموجه وقد یکون سببا حقیقیا فى کثیر من الظواهر والقضای والمشکلات الاجتماعیة إنها دائرة تحلیلیة ضروریة فى إطار التغیرات التى أحدثتها الثورة الکونیة بإیقاعها السریع المذهل غیر المتوقع.
     إن الهویة القومیة فى عالم مضطرب والشباب أکثر الفئات المجتمعیة تأثرا بهذا الاضطراب العالمى الذى یؤدى بدورة لتشویش الهویة لدیهم حیث یعکس الواقع غموضا للهویة وتباینا أیدیولوجىا لایفرزه وقائع المجتمع وتراثه الثقافى الحضارى والبناء الثقافى القیمى فى المجتمع فى مسار وبناء الهویة فى مسار آخر وأیدیولوجیة المجتمع لایعکس ولا تلتقى مع البناء الثقافى القیمى الحضارى، وکأن العالم ثقافة واحدة مشوهه متعددة فى المجتمعات المستقبلة للغزو الثقافى لثقافات الرأسمالیة المتوحشة، إنه صراع للحضارات والثقافات ینعکس سلبا على الثقافة والهویة الثقافیة القومیة لدى الشباب.
 
 
 
 
 
 
 
 
 
لایوجد