الشباب والمثقف متعدد الأبعاد: فقه ما بعد الإنسانية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

رئيس قسم العلوم الاجتماعية السابق کلية الخدمة الاجتماعية-جامعة الفيوم

المستخلص

عرف التاريخ أدوارًا غير منکورة للمشارکة الفعالة للشباب في الحرکات الاجتماعية الجديدة ، ولعل ما حدث في أوربا الغربية وبعض الدول الإشتراکية في أواخر الستينيات، وفي مرحلة السبعينات والثمانينات خير شاهد على ذلک، حينما لم تغب هذه الفئة العمرية عن تفعيل حرکات الحضر وتحرير المرأة والشواذ جنسيًا، ومناهضة العبودية، والإطاحة بالنظم السلطوية الشيوعية في أوربا الشرقية ودول البلقان وفي تنمية الحرکات القومية في سلوفينيا وبلغاريا ورومانيا ويوغسلافيا وصربيا وأوکرانيا فيما قبل وبعد إنهيار الإتحاد السوفيتي.
لقد ساهم الشباب بقوة بعد سقوط کثير من الأنظمة التي کانت تعاند توطين الديمقراطية في بلدانهم، وهو ما جعلهم ينظمون الحملات لدعم المعارضة وتنظيم مراقبة الإنتخابات والحث على التصويت، والإطاحة بالأنظمة المستبدة وتغييرها ليس عن طريق العنف، وإنما عن طريق استخدام تقنيات سلمية کانت السبيل للقضاء على اللامبالاه وتفعيل روح الدعابة والسخرية عن طريق التقنيات الإعلامية الجديدة.
والحقيقة أن الدفع بالشباب للمشارکة في أحداث التغيير السياسي في هذه البلدان کان بمثابة تجييشه وتسيسه بطريقة راديکالية، وهو ما تجسد في مشارکتهم في الحياة العامة والمشارکة في الإحتجاجات، والإنفتاح على المنتجات الثقافية والمادية، خاصة ما يرتبط بإستخدام تقنيات الاتصال الحديثة التي ساهمت في تأجيج الوعي المدني والمشارکة السياسية(1).
وأحرى بنا أن نسجل هنا أن مجتمعنا العربي- وخاصة من بلدان ثورات الربيع العربي- لم ينفک عن هذه الأحداث السياسية والاجتماعية التي جعلت فئات الشباب تتفاعل وتتشارک  بقوة مع معطيات التغيير في مجتمعاتهم، إما بهدف إشباع الاحتياجات من جهة، أو تعميق المسار الديمقراطي وخلق مجتمع مدني تسوده قيم الإنسانية والتواصل والديمقراطية، والتحايل على مسارات السلطة وکسر حاجز الخوف.
فالشباب بحسبانهم يشکلون وقود الحرکات الاجتماعية والاحتجاجية التي عرفها العالم العربي من المحيط إلى الخليج يجعلنا بصدد قوة فاعلة تحاول أن تجعل من ذاتها أدوات البناء، وهو ما عبرت عنه محاولات الإطاحة بالأنظمة السياسية ومشارکتهم في کل الأحداث، تلک التي أبانت عن قدرتهم على الإبداع والتجديد والإبتکار والمبادأة والتعبير عن الذات، والتعامل مع الأزمات وتجاوز کل الحدود والقيود.
وإذا کانت حرکية التغيير التي عرفها العالم العربي في فترة ما يسمى بالربيع العربي قد أوقعت ملامح جديدة في آليات التغيير والثورة ، فإنها في الوقت عينه جعلت الفئات الشابه تأتي عوضًا عن القوى الثورية (العنيفة) في المجتمع، ناهيک عن جعل الشبکات الإفتراضية بديلاً عن وسائط الوعي والتعبئة الجماهيرية، التي لعبت  دورًا محوريًا في تحريک المياة الراکدة التي أستمرت إلى ثلاثة عقود دون أي تغيير. لقد باتت الشبکات الإفتراضية فضاء فاعل ومؤثر في زيادة وتائر فعاليات الإحتجاج والتنسيق والمتابعة والتثوير، الأمر الذي خلق بطريقة موازية ثقافة جديدة للشباب، تلک التي عمدت إلى إرساء ثقافة حوارية جديدة تعمل على تکريس قيم ما بعد الإنسانية.
فمع سيطرة مجتمع المعلومات على مناشط الحياة اليومية، فقد تم تخليق فضاءًا رمزيًا مواز بالعالم الواقعي، ذلک الذي بات يشکل البيئة الرئيسة والحاضنة للتفاعل الاجتماعي على کافة الأصعدة الاجتماعية والثقافية والسياسية. لقد باتت التفاعلات الإنسانية الآلية في الفضاء الإليکتروني، بمثابه مجتمعات إفتراضية Virtual Communities  تتحايث مع طبيعة الفضاء الطبيعي والواقعي، الأمر الذي جعلها تشکل شبکات إنسانية ترتبط ببعضها البعض وتتجاوز للحدود والثقافات، وتساهم في تعديل الأفکار والقيم والسلوکيات خاصة ما يرتبط بالحرية والأبداع وتفعيل الديمقراطية والتواصل الإنساني(2).
فمن خلال مفهوم المجتمع الإفتراضي Virtual Communities الذي صکه "هاورد رينجوولد في عام 1994    فقد تولدت اهتمامات مشترکة عبر الجغرافيا الممتدة ، لتخليق ما يسمى بالفضاء العام الإفتراضي الذي يسمح في إطاره بالمناقشة وتداول المعارف عبر کيانات اجتماعية هي الأخرى باتت إفتراضية، تسمح بإعادة إنتاج خريطة الحرکات الاجتماعية وابتکار مفردات جديدة للحياة الاجتماعية والسياسية والقيمية.
إذا کانت الشبکات الافتراضية بمثابة المجال العام الذي يتم عبره تبادل المعلومات وتأسيس السلوک الجمعي المتحرر لفئات الشباب، فإن ظروف الوجود الراهن تفرض ضرورة وجود ما يسمى "بالمثقف الکوني" الذي يلعب دورًا قائدًا في عملية بناء الشبکات والتحالفات لتوسيع قاعدة الدعم والمساندة لکثير من الفئات الاجتماعية، وتحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز الحقوق الاجتماعية ونبذ التعصب والصراع، وتنمية الوعي بالحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وتمکين المجموعات الضعيفة من الحصول على حقوقها ونبذ الإستبعاد، وتدعيم الممارسة الديمقراطية واحترام الآخر وتوقيع التعاون والتبادل وبناء العلاقات بين الفاعلين في إطار المجتمع المدني، وزيادة الثقافة المدنية. ولکن حتى يستطيع الشباب الإضطلاع بهذه الأدوار، فهناک مجموعة من الينبغيات يتوجب تفعيلها في الوجود الکوني الافتراضي وثورة المعلومات. ولکن قبل أن نضع هذه الاعتبارات دعونا نقف على طبيعة القوالب المفهومية المستخدمة وتفکيک دلالتها ومعانيها، حتى يسهل علينا وضع تصور محدد في هذا السياق(3).

نقاط رئيسية

فقه ما بعد الإنسانیة

الكلمات الرئيسية


 

الشباب والمثقف متعدد الأبعاد:

فقه ما بعد الإنسانیة

 

 

اعداد

أ.د/شحاته صیام

رئیس قسم العلوم الاجتماعیة

کلیة الخدمة الاجتماعیة-جامعة الفیوم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقدمة:

عرف التاریخ أدوارًا غیر منکورة للمشارکة الفعالة للشباب فی الحرکات الاجتماعیة الجدیدة ، ولعل ما حدث فی أوربا الغربیة وبعض الدول الإشتراکیة فی أواخر الستینیات، وفی مرحلة السبعینات والثمانینات خیر شاهد على ذلک، حینما لم تغب هذه الفئة العمریة عن تفعیل حرکات الحضر وتحریر المرأة والشواذ جنسیًا، ومناهضة العبودیة، والإطاحة بالنظم السلطویة الشیوعیة فی أوربا الشرقیة ودول البلقان وفی تنمیة الحرکات القومیة فی سلوفینیا وبلغاریا ورومانیا ویوغسلافیا وصربیا وأوکرانیا فیما قبل وبعد إنهیار الإتحاد السوفیتی.

لقد ساهم الشباب بقوة بعد سقوط کثیر من الأنظمة التی کانت تعاند توطین الدیمقراطیة فی بلدانهم، وهو ما جعلهم ینظمون الحملات لدعم المعارضة وتنظیم مراقبة الإنتخابات والحث على التصویت، والإطاحة بالأنظمة المستبدة وتغییرها لیس عن طریق العنف، وإنما عن طریق استخدام تقنیات سلمیة کانت السبیل للقضاء على اللامبالاه وتفعیل روح الدعابة والسخریة عن طریق التقنیات الإعلامیة الجدیدة.

والحقیقة أن الدفع بالشباب للمشارکة فی أحداث التغییر السیاسی فی هذه البلدان کان بمثابة تجییشه وتسیسه بطریقة رادیکالیة، وهو ما تجسد فی مشارکتهم فی الحیاة العامة والمشارکة فی الإحتجاجات، والإنفتاح على المنتجات الثقافیة والمادیة، خاصة ما یرتبط بإستخدام تقنیات الاتصال الحدیثة التی ساهمت فی تأجیج الوعی المدنی والمشارکة السیاسیة(1).

وأحرى بنا أن نسجل هنا أن مجتمعنا العربی- وخاصة من بلدان ثورات الربیع العربی- لم ینفک عن هذه الأحداث السیاسیة والاجتماعیة التی جعلت فئات الشباب تتفاعل وتتشارک  بقوة مع معطیات التغییر فی مجتمعاتهم، إما بهدف إشباع الاحتیاجات من جهة، أو تعمیق المسار الدیمقراطی وخلق مجتمع مدنی تسوده قیم الإنسانیة والتواصل والدیمقراطیة، والتحایل على مسارات السلطة وکسر حاجز الخوف.

فالشباب بحسبانهم یشکلون وقود الحرکات الاجتماعیة والاحتجاجیة التی عرفها العالم العربی من المحیط إلى الخلیج یجعلنا بصدد قوة فاعلة تحاول أن تجعل من ذاتها أدوات البناء، وهو ما عبرت عنه محاولات الإطاحة بالأنظمة السیاسیة ومشارکتهم فی کل الأحداث، تلک التی أبانت عن قدرتهم على الإبداع والتجدید والإبتکار والمبادأة والتعبیر عن الذات، والتعامل مع الأزمات وتجاوز کل الحدود والقیود.

وإذا کانت حرکیة التغییر التی عرفها العالم العربی فی فترة ما یسمى بالربیع العربی قد أوقعت ملامح جدیدة فی آلیات التغییر والثورة ، فإنها فی الوقت عینه جعلت الفئات الشابه تأتی عوضًا عن القوى الثوریة (العنیفة) فی المجتمع، ناهیک عن جعل الشبکات الإفتراضیة بدیلاً عن وسائط الوعی والتعبئة الجماهیریة، التی لعبت  دورًا محوریًا فی تحریک المیاة الراکدة التی أستمرت إلى ثلاثة عقود دون أی تغییر. لقد باتت الشبکات الإفتراضیة فضاء فاعل ومؤثر فی زیادة وتائر فعالیات الإحتجاج والتنسیق والمتابعة والتثویر، الأمر الذی خلق بطریقة موازیة ثقافة جدیدة للشباب، تلک التی عمدت إلى إرساء ثقافة حواریة جدیدة تعمل على تکریس قیم ما بعد الإنسانیة.

فمع سیطرة مجتمع المعلومات على مناشط الحیاة الیومیة، فقد تم تخلیق فضاءًا رمزیًا مواز بالعالم الواقعی، ذلک الذی بات یشکل البیئة الرئیسة والحاضنة للتفاعل الاجتماعی على کافة الأصعدة الاجتماعیة والثقافیة والسیاسیة. لقد باتت التفاعلات الإنسانیة الآلیة فی الفضاء الإلیکترونی، بمثابه مجتمعات إفتراضیة Virtual Communities  تتحایث مع طبیعة الفضاء الطبیعی والواقعی، الأمر الذی جعلها تشکل شبکات إنسانیة ترتبط ببعضها البعض وتتجاوز للحدود والثقافات، وتساهم فی تعدیل الأفکار والقیم والسلوکیات خاصة ما یرتبط بالحریة والأبداع وتفعیل الدیمقراطیة والتواصل الإنسانی(2).

فمن خلال مفهوم المجتمع الإفتراضی Virtual Communities الذی صکه "هاورد رینجوولد فی عام 1994    فقد تولدت اهتمامات مشترکة عبر الجغرافیا الممتدة ، لتخلیق ما یسمى بالفضاء العام الإفتراضی الذی یسمح فی إطاره بالمناقشة وتداول المعارف عبر کیانات اجتماعیة هی الأخرى باتت إفتراضیة، تسمح بإعادة إنتاج خریطة الحرکات الاجتماعیة وابتکار مفردات جدیدة للحیاة الاجتماعیة والسیاسیة والقیمیة.

إذا کانت الشبکات الافتراضیة بمثابة المجال العام الذی یتم عبره تبادل المعلومات وتأسیس السلوک الجمعی المتحرر لفئات الشباب، فإن ظروف الوجود الراهن تفرض ضرورة وجود ما یسمى "بالمثقف الکونی" الذی یلعب دورًا قائدًا فی عملیة بناء الشبکات والتحالفات لتوسیع قاعدة الدعم والمساندة لکثیر من الفئات الاجتماعیة، وتحقیق العدالة الاجتماعیة وتعزیز الحقوق الاجتماعیة ونبذ التعصب والصراع، وتنمیة الوعی بالحقوق السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة ، وتمکین المجموعات الضعیفة من الحصول على حقوقها ونبذ الإستبعاد، وتدعیم الممارسة الدیمقراطیة واحترام الآخر وتوقیع التعاون والتبادل وبناء العلاقات بین الفاعلین فی إطار المجتمع المدنی، وزیادة الثقافة المدنیة. ولکن حتى یستطیع الشباب الإضطلاع بهذه الأدوار، فهناک مجموعة من الینبغیات یتوجب تفعیلها فی الوجود الکونی الافتراضی وثورة المعلومات. ولکن قبل أن نضع هذه الاعتبارات دعونا نقف على طبیعة القوالب المفهومیة المستخدمة وتفکیک دلالتها ومعانیها، حتى یسهل علینا وضع تصور محدد فی هذا السیاق(3).

 

 

 

أولاً: تفکیک القوالب المفهومیة والنظریة:

ثمة مجموعة من المفهومات التی تضمها هذه الورقة، التی تحتاج إلى سبر أغوارها حتى یمکننا من الإطلالة على مغزاها ومرامیها، بهدف ترکیبها فی قالب واحد، ومن ثم ننجح فی تحقیق هدفنا الرئیس فی هذه الورقة، ولعل أهمها:

1-الشباب والفضاء العمومی الافتراضی

ثمة جدل واسع بین المفکرین فی تناول مفهوم الشباب، وهو ما یعکس تنوعًا واضحًا فی دلالاته. فوفقًا لعدم الإتفاق على مفهوم واحد بینهم، فإننا یمکن الدفع بأن الشباب هی فئة عمریة تتسم بالتنوع فی إطار الزمان والمکان، الأمر الذی یجعله مفهومًا معرفیًا. وبعیدًا عن التقسیمات الکلاسیکیة فی التناول والإهتمام بأوضاع واتجاهات وقیم الشباب، فإننا هنا نهتم بهذه الفئة العمریة بحسبانها أکثر الفئات العمریة تفاعلاً مع معطیات الواقع المعاش، ذلک ما یؤهلها لقیادة التغیر والتنمیة. والواقع أن المکانه التی یحظى بها الشباب لم تأت من تلقاء ذاتها، إذ لعبت التغیرات الاجتماعیة والسیاسیة والثقافیة والاقتصادیة والتقنیة دورًا محوریًا فی إکتساب الشباب مهارات وقیم أهلهم لقیادة کل حرکات التحول الاجتماعی، وهو ما یجعلهم فئات فاعلة لکل الأحداث، ومنفعلة بها فی آن(4).

والحقیقة أن هذا الدور لم یکن بدعه جدیدة أو مستحدثة مع أحداث الثورات الملونة فی أوربا الشرقیة أو الربیع العربی، وإنما سبقته بعقود طویلة على الصعید الأوربی، وخیر شاهد على ذلک ما حدث فی ثورة مایو 1968 فی فرنسا وقتما رفع الشباب على جدران السوربون شعارًا مؤداه أن دوافع الخروج تتحدد فی المعاییر الثقافیة والنفسیة وإنعکاسًا للأوضاع المعیشیة القائمة خاصة ما یرتبط بالتمییز والعنصریة والطبقیة والإستبعاد. فالشباب بحکم تکوینهم الاجتماعی والسیکولوجی یتعاطون بقوة مع أحداث المجتمع وإشباع الاحتیاجات، وهو ما یجعلهم یسجلون مواقف عنیفة تجاه السلطة والقیم والمعاییر السائدة المرتبطة بتوزیع الأنصبة . إنه حسب ذلک، فإنه یتم تعریف مرحلة الشباب، بالمرحلة المفعمة بالتغییر الکمی والنوعی فی تراکیب الشخصیة والمزاج والسلوک، إذ یتم المراوحة بین البحث والتأکید على الذات، والتمرد والإزاحة. ففی الوقت الذی یسعى الشباب  للبحث عن دور معین فی إطار وجوده، فإنه أیضًا یرفض کل ما هو سابق له(5).

إن تمتع الشباب لکل ما تقدم یجعلهم یرفضون الإنغماس فی الذات على حد تعبیر "شونز" ویبغون التعامل مع الآخر وتجاوز الزمان والمکان بما یحقق حریتهم فی التنقل والتعبیر وعدم العزلة، وهو ما یساهم فی نهایة الأمر إلى کسر أسطورة المواطنى المتعدی لحدوده الذی یوشج الروابط مع الآخر بسهولة، وأن یناقش ما یشاء وقتما یشاء، بالإضافة إلى سعیه إلى قلب الأدوار، وتحویل ما هو هامش إلى  موضع إهتمام، وبالتالی یجعل الداخل من الوجود حلقة متصلة الأبعاد، ویجعل الداخل هو هو الخارج من حیث الإهتمام والاضطراد.

ولئن کان الشباب بما یحظى به من مکانة محوریة فی المجتمع، فإن أوضاعه وثقافته وطبیعة تفاعلاته، تجعلنا نعول علیه فی إدارة معرکة المستقبل، خاصة ما یرتبط بشیوع التواصل وتأسیس الشبکات الاجتماعیة وتفعیل قیم الإنسانیة لیس فقط على صعید محلی، وإنما على مستوى کونی. فنتیجة لتدفق المعلومات والإستجابة للوصفات الجدیدة وتحدیث القیم والثقافات وفتح النوافذ أمام تخطی القیم العالمیة لکل الحدود الجغرافیة، فقد تولد الإحتیاجات الجدیدة للشباب ثقافة فرعیة جدیدة فرضت نفسها على وجودهم، وهو ما ساهم فی الخروج على کل ما هو تقلیدی . فالإستجابات الثقافیة الجدیدة التی فرضتها عملیة السیولة فی المعلومات والمعارف والوعی، جعل الشباب فئة إجتماعیة تتسم بالخصوصیة، وهو ما یؤکده طبیعة توجهاتهم وتفاعلهم مع الأزمات الهیکلیة فی أوطانهم(6)

وحیث أن ثقافة الشباب تحمل مضامین بدیلة لفهم الواقع والمستقبل، فإنهم یشکلون ثقافة خاصة بهم تعکس طبیعة تفاعلهم الرمزی والواقعی من اللاتجانس الاجتماعی والعلاقات الاجتماعیة والتواصل مع الآخر وصور المستقبل، وهو ما یجعلنا بصدد ما یسمى بالثقافة المتمردة والرادیکالیة التی تقف موقفًا نقدیًا من الضیاع الاجتماعی وأبعاده الداخلیة والخارجیة(7).

فإذا کان الشباب یعکسون نوعًا معینًا من الاهتمامات والطموح والتفاعل مع ما یحدث من تغیرات بنائیة فی المجتمعات العربیة، فإنهم یرتبطون بالأزمات التی خلفتها السیاسات والایدیولوجیات السلطویة السائدة. فتعالی صیحات الشباب لرفض التسلط وإحتکار السلطة وعدم تداولها، والدعوة إلى الحریة والعدالة الاجتماعیة والدیمقراطیة والتندید بعملیات الاقصاء والاستبعاد وإحتکار فصیل بعینه للفضاء العام، یجعلهم یتمردون ضد الأزمات الهیکلیة وعدم إشباع الاحتیاجات الاجتماعیة وسیاسات الاستبعاد والاستعباد، وهو ما جعلهم یشکلون قوة نقدیة وکتغییریة بالأساس.

 وبید أن ما سبق یمثل جل التصورات التی عرفتها العلوم الاجتماعیة حول طبیعة واهتمامات وثقافة الشباب، فإنه فی لجة السیولة المعلوماتیة، فقد بزغت رؤى نظریة تحاول تجاوز الواقع ونظریاته بهدف خلق أخرى جدیدة تتناسب معها ومع وشیوع الطابع النقدی للشباب، وبزوغ الوعی والنشاط السیاسی للشباب وأدوارهم على مختلف الصعد الاجتماعیة وإنخراطهم فی الحرکات الاجتماعیة الجدیدة.

فإذا کانت المارکسیة بعد الحرب العالمیة الثانیة کانت تمثل الفلسفة النقدیة الوحیدة، التی تصدت للإتیان بالنظام المحجوز الذی ینتفی فیه استغلال الإنسان لأخیه الإنسان، وخلق محاولات للخروج على الإرثوذوکسیة المارکسیة، وأن ما قدمه مارکیوز حول طبیعة الفاعل الثوری الجدید یعد نوعًا من التنظیر لإحلال الشباب والطلاب، لیکونوا الفواعل الرئیسة للثورة والتغییر الرادیکالی خاصة بعد عام لا1968 فی أوربا، فإن الشباب باتوا یحتلون المقاعد الأولى والرئیسة فی حرکات الاحتجاج الجدیدة التی إتخذت من قیم اللاعنف أیدیولوجیة عامة تعبر عن إدراکهم العضوی الذی عمد إلى تحریک التفاعلات بطریقة رادیکالیة لتغییر السلطة وخلق واقع جدید، ذلک ما ساهم فیه الواقع الافتراضی الجدید الذی ساهم عبر مجاله العام الافتراضی یتحقق من وظائف خاصة على صعید التواصل الإنسانی خاصة ما یرتبط بتحقیق التفاهم وإثارة النقاش والحوار الحر بین الفاعلین الإجتماعیین حول المسائل والقضایا المشترکة. وحیث هو کذلک فهو بات یعد سیاقًا للتمحیص وآلیة لإعادة تشکیل الأفکار العقلانیة التی یعج بها الفضاء الخارجی. وبید أن المجال العام الافتراضی یعمل على ترسیخ قیم وأخلاقیات المناقشة والفعل والفاعل الحر والتفاعل فی العملیة التواصلیة، لترسیخ مفاهیم البینذاتیه والعقلانیة العملیة والواقع المعاش والتداول الدیمقراطی ، فإنه یؤسس رؤیة وجودیة للشباب وممارساته الإجتماعیة بعیدًا عن الشطحات المیتافیزیقیة والأوهام والتخیلات (8).

ولما کان الفضاء العام الافتراضی مکانًا یتم فیه مناقشة القضایا المتصلة بالشأن العام، فإنه یعد حکرًا على عملیات التواصل فی العالم المعاش وممارسات الفعل السیاسی والمواطنة، تلک التی من خلالها یتم التأکید على الحوار المتبادل ونبذ النعرات الثقافیة والأیدیولوجیة ویوطن عملیات الإندماج والتفاهم الانسانی.

وبحسبان أن المجال العام هو وسط للتفاعل، فهو یکشف عن الرابطة الوشیجة بین الفاعلین فی إطار عملیات التواصل الاجتماعی، تلک التی تعکس عملیة الإتصال، والتعبیر بقوة عن المصالح والمشاعر العمیقة فی المجال الخاص، فضلاً عن الکشف عن الإرادة الجمعیة للفاعلین، وما  یتمظهر من أفعال وممارسات سیاسیة تلعب فیهما المناقشات والتداولات دورًا مهمًا فی توجیه تحقیق إنسانیة الانسان فی أی زمان ومکان(9).

إذن نفهم مما تقدم أن مفهوم الفضاء العام الافتراضی یعد أرضًا خصبة للجدل والإختلاف والنزاع، وهو ما یجعله شرطًا من شروط الوجود الإجتماعی بأبعاده الشاملة، إذ یعمل على إندماج الفرد فی الکون ولمشارکته فی الحیاة العامة والممارسة فی أی مکان، فضلاً عن تفعیل قیم الدیمقراطیة والتواصل الإجتماعی والمداولات الحرة، ذلک ما یجعله مجالاً ثالثًا یتوسط الإقتصاد والدول على الصعیدین المحلی والعالمی، ناهیک عن إنتاج القیم اللیبرالیة الدیمقراطیة والحریة والابداع والحوار والمباعدة عن عملیات القسر والقهر والإستبعاد والاستعلاء، بالإضافة إلى القدرة على وتجدید الطاقات الإبداعیة، واستنفار العمل (10).

   أن المدقق فى الفائت یستطیع ان یضع یدیه على أن الفضاء العمومی الافتراضی یتحدد دوره فی تسهیل عملیات التواصل ونقد آلیات السیطرة والهیمنة وتأسیس رأی عام یعمل على ممارسة الضغط لتحقیق مزید من المکتسبات والمطالب السیاسیة والإجتماعیة والإقتصادیة، لضمان وجود الکل_دون إقصاء_  کقوة ضغط فاعلة فی تحریک الفعل السیاسی فی المجتمع لتشکیل رأی عام"عالمی" فعال ودیمقراطی تغیب فیه عملیة إقصاء الأصوات الأخرى لتفرض وجود الدیمقراطیة والمشارکة والحریة ، ناهیک عن تحقیق حاله من الثقة والتسامح  واشاحة القلق والتوتر بعیدًا وتفعیل التعددیة والتعایش السلمی والإنفتاح على الآخر(11).

وإذا کان مفهوم الفضاء العام الافتراضی وفق ما تقدم، یشدد على ضرورة وجود التسامح کمحرک للإیمان الجدید، فإنه یلعب دورًا محوریًا فی ترسیخ مبادئ الثقافة الدیمقراطیة وتداول السلطة وتفعیل التواصل العقلانى بما یحقق عدم إقصاء أو تغییب أى فریق من المشهد العام. إنه بذا یکون المجال العمومی الافتراضی فضاءًا للتفاعل أو التواصل دون إقصاء، یعمل على تأسیس البیئة المناسبة له، بما یحقق خلق الإجماع وتحقیق  التوافق السیاسی والدیمقراطیة فی المجتمع عبر آلیات التواصل الافتراضیة( 12). فبإعتبار أن العالم المعیش یشکل الأفق لممارسة الفهم المتبادل الذی یحاول فیه الفاعلون التواصل وتحقیق الفهم المتبادل لمواجهة مشکلاتهم الیومیة ، فإن ذلک یفرض ضرورة توافر اللغة والحوار المناسبین لتفعیل مهارات الإندماج الإنسانی فی العوالم المعاشة. فضلاً عن تحقیق التضامن الإجتماعی والتسامح والفهم والإبداع ووأد  الصراع والإستعلاء، ناهیک عن عدم الافتئات على حقوق الغیر( 13).

ولئن کان الفعل التواصلی الافتراضی لا یتم إلا فی إطار توافر تفاعل الشباب العالمی وهو ما ندعوه هاهنا" بالتذوات أو البینذاتیة Intersubyectivity، فإنه یکون بالأحرى هو التفاعل الذی یعمل على إحداث التوافق الجماعی، وتحقیق أخلاقیات الحوار والمناقشة والممارسة العقلانیة والتداول الدیمقراطی بعیدًا عن قیود الزمان والمکان، لإیجاد وتشیید رأی عام عالمی یشجع من"زیادة الفاعلیة"، تلک التی من شأنها أن تحبس القدیم وتأتی بقیم جدیدة، ما یسمى "بأیدیولوجیا حریة الکلام"(14).

2-       الشبکة الافتراضیة

تفید مفهوم الشبکة بشکل عام عن کینونة العمل والشغل والحیاة، وهو ما یجعلها تحمل مجموعة من الأنشطة والوظائف. فالشبکة وفقًا لذلک فهی کل شیء أو قل أنها کائن أو جماعة أو نقاط أو عقد کثیرة تحظى بإتصال فیما بینها، وتؤدی کل منها مجموعة من الوظائف حتى تظل مفعمة بالحیاة. وحیث أن کل کائن حی هو مجموعة من الوظائف تؤدیها مجموعة من المکونات حتى تظل باقیة على قید الحیاة. فالشبکة هی قالب نموذجی دینامی ینطلی على کل أنماط الحیاة، ویستند فی وجوده وبقائه على تخلیق ذاته ولیس لاستیراد القوة من خارجها، مثلما هو حادث فی البیئة الأیکولوجیة، أو ما یسمى بالنسق المفتوح. فمن خلال القدرة على إعادة تخلیق ذاتها، فإنها تقوم بتبدیل مکوناتها، ومن ثم تجاوز التغیرات البنیویة الدائمة والمحافظة على مکوناتها فی إطار النظام الشبکی(15).

وإذا کانت الشبکة وفق ما تقدم تشهد نوعًا من الترابط البنیوی بین مجموعة من النقاط التی قد تکون فردًا أو جماعة أو شرکة أو أجهزة أو العقد المختلفة، والمترابطة والمتداخلة والمتقاطعة مع بعضها البعض، فإنها تکون  الرحم الذی یهب أو یولد ضربًا جدیدًا من المجتمعات غیر الخطیة التی  تتسم بالتدفق، ومن ثم تضم اللغة والثقافة والمعاییر والعلاقات السلطویة. إذن فالشبکات هی بنیة تواصلنا فی الحیاة المعاشة، إذ یتم من خلالها جریان الخطابات بطریقة سائلة أو متدفقة عبر الحلقات المترابطة فی إطارها لکی تتحقق أهدافها. وهو ما یجعل الفاعلون الاجتماعیون یعملون من خلال وجودهم تدعیم قیمهم ومصالحهم بطریقة ذاتیة(*).

وحیث أن الشبکات تضم إلى مجموعة من الفاعلین من البشر الذین یعملون فی إطار طابع تنظیمی تحکمه سلطة مهیمنة على إدارة الأمور والعملیات والاجراءات. فإنها تکون مجموعة من الحلقات المرتبطة مع بعضها البعض، التی یطلق على المهم فیها "بالمراکز" التی تتمایز عن الحلقات الأخرى وفقًا لوظیفتها ومعناها، ومن ثم على درجة استیعابها للمعلومات ودرجة معالجتها وقدرتها على تحقیق أهداف وفاعلیة وأداء الشبکة. والمدقق فی هذا المعنى، یجد أن هناک من هذه الحلقات ما تحظى بالأهمیة وغیر ذلک، وهو ما یفرض على الشبکة أن تعمل على إعادة النظر فی بنائها وحذف الخامل منها، حتى تضیف أخرى جدیدة(16).

وبإعتبار أن الشبکات تعمل وتتأسس على ذلک، فإنها تتفاوت فی داخلها، وهو ما تفرضه طبیعة مصالحها وتنافسها، وهو ما یفرضه طبیعة التعامل مع المنطق الثنائی (الإحتواء والإستبعاد)، الذی تحدده بروتوکولات الإتصال والشفرات التی یتکشف من خلالها طبیعة خطابها.  وبید أن هذه الشبکات هی شبکات معقدة من الإتصال لتحقیق مجموعة من الأهداف المتسمة بالمرونة، فإنها تکون أشبه بالعالم الصغیر فی إطار الداخل وعملیة التشکیل الذاتی وإعادة الترتیب، إذ  تعمل على تحقیق رزمة من الأهداف والأغراض شریطة تحقیق المرونة الذی یرتبط بإجراءات العمل والتنظیم والتشکیل أو التخلق الذاتی(**).

ومع أن الشبکات تشی إلى النموذج القاعدی فی الحیاة الاجتماعیة حیث إنتاج التفاعل وإنتاج المعنى وإحداث المرونة والقدرة على إعادة التشکیل، فإنها تعمل على التوسع فی الإنتاج للتغلب  على القیود المادیة، ومعاییر الزمان والمکان  وفق نشاطات تکنولوجیا الأتصال والمعلومات، وهو ما یعظم تنظیم علاقات البشر. فعبر الإستناد على الواقع والثقافات والمنظمات والمؤسسات الموجودة التی یتأسس فیها هیکل البیئة المادیة، فإن الخبرة المحلیة والقطریة تتفاعل عبر الحدود الجغرافیة مع الثقافات الأخرى ، مما یؤدی إلى خلق شبکات معولمة لها القدرة على الإدماج وتأسیس بناءً معماریًا یتأسس على نبذ الصراع والاستبعاد والاستعلاء(17).

إنه فی إطار ما تقدم، فإن المجتمع الشبکی یتأسس وفق ثقافة إفتراضیة تنتشر عبر التدفقات العالمیة لکی تتجاوز مفاهیم الزمان والمکان، إذ تکون الفضاءات المحلیة غیر محدودة ومفتوحة أمام سیولة المعلومات، ذلک ما یساهم فی التوحد الإلکترونی ووجود الحزم العریضة من البیانات المرتبطة بشتى مناحی الحیاة ، مما یساهم فی تدشین مزید من المثقفین الکونیین والمبادرات الخاصة والمشروعات التعاونیة على مختلف الأصعدة الاجتماعیة والسیاسیة والدینیة.

3-     السیولة وما بعد الإنسانیة

عرف العالم أواسط القرن الفائت ظهور مجموعة من الأفکار الناقدة لقیم الحداثة. فمن خلال إستدعاء بعض الأفکار تم تفعیل نصوص خاصة لکی ترتکز علیها ما بعد الانسانیة، خاصة تلک التی تتصل بتکییل الدفوعات النقدیة لمفاهیم التقدم والحریة والفعل والعقل الأداتی. ولعل ما قدمه "هابرماس" فی هذا الإطار أبلغ دلیل على ذلک، إذ من خلال شرعیة إستقلال الذات الراشدة والعقلانیة التواصلیة والتصور الأداتی تم الربط بین الدین والعقل، فضلاً عن إنتهاء القطیعة بین التیار العلمانی والدینی بهدف الوصول إلى مجتمع ما بعد الانسانیة.

وباعتبار أن مفهوم ما بعد الانسانیة من المفهومات الحدیثة نسبیًا، إذ یشی إلى تعددیة النوازع الروحیة الفردیة وإنحسار هیمنة الدین على کل مناحی الحیاة فیها. فإنه یعنی التماذج مع الروحانیات لیشکلا نسقًا وجودیًا یؤمن بشرعیة وتعزیز القضایا الروحیة والحقوقیة وحریة التعبیر والتجدید والتعدد الروحی والتواصل الانسانی، وإشاحة القمع الذی تمارسه القوى الدینیة على الأفراد والمجتمعات.

ومع أن ما بعد الانسانیة، تستند فی عمارتها الفکریة على تعزیز النواحی الروحیة والتواصل العقلانی  ونفی عملیات الإستبداد والإستبعاد، وتکریس الحیوات الدینیة الجدیدة والإعتراف بها، فإن مجمل معناها العام یتحدد فی النزوع نحو أنماط جدیدة للتدین، وتحویل الدین إلى أمر شخصی، بل قل وتقلیصه إلى الحیز الخاص، فضلاً عن التجدید والإبتکار وسیادة الثقافات المتعددة والتنوع وتحقیق المساواة فی إطار المشترک العالمی، لخلق ما یسمى بالثقافة الثالثة التی تنهض على الإستنارة وزیادة التدفق فی المعلومات والقیم(18).

إنه وفق هذا التوجه، فإن ما بعد الإنسانیة تعمل على إنتشال الذوات الإنسانیة من الضیاع، والبعد عن المصلحة الخاصة واللذة، والحد من تجریف القوة المطبعة (من طبیعة) mcturalise مثل قوى السوق والعنف والحرب والکوارث، وتحقیق إنسانیة الوجود البشریة وزیادة التفاعلات الانسانیة والتواصل العقلانی وتوطین الحریة والتداول الحر، ذلک ما یجعلها إنقلابًا فکریًا ووجودیًا على التضخم الوجودی للعلمنة، تلک التی تغولت وتغلغلت فی کل شیء وباتت وفق مفهوم "هوبز" حاکمه على الفرد من الخارج وعلى المؤسسات الدنیویة من الداخل(19).

وإذا کانت ما بعد الإنسانیة وفق ما تقدم تسعى إلى توفر القیم الروحانیة والإطاحة بالنرجسیة اللاهوتیة والبعد عن التعصب، فإنها تقف ضد القیم السلبیة والأنانیة، وتسعى إلى نشر قیم المحبة، وتغذی من وجود الثقافة المرتکزة على مفهوم التسامح وعدم الإقصاء وقبول الآخر(20).

وحتى یحدث کل ما فات وفی إطار سیاقات الواقع المعیش، فمن الأهمیة بمکان أن یتم بنیوة ما بعد الانسانیة"، تلک التی تتجسد عبر رؤیة عامة  للحیاة تضمن إعادة صیاغة الحیاة العالمیة( الکلیة العقلانیة) التی تبتعد عن مسألة اللذة والأغواء والهندسة الاجتماعیة والتعصب للدین أو العرق أو اللون، وتوطین المضامین الأخلاقیة لحق الوجود ، وإحداث التضامن بین الأفراد والمجتمعات ، وتفعیل العدالة وإشباع الإحتیاجات، وعقلنة الأسواق وإحداث التوازن الإجتماعی (21).

إنه حسب ما أشرنا إلیه، فإنه ما بعد الانسانیة تأتی کمجموعة من الأفکار الکونیة والممارسات والمظاهر السیاسیة والاجتماعیة والحضاریة التی ترتبط بنهایة الإستغلال والتمییز المرتبط بسیاسات الإمبریالیة والعولمة، ذلک ما یجعل هذا المفهوم مرتبطًا برؤیة عادلة للوجود الإنسانی، وتضمن وجود حزمة من الأخلاقیات البعیدة عن التشدد الدینی ومرجعیاته أو ما یسمى بالأیدیولوجیات المتخشبة. فإذا کانت ما بعد الإنسانیة هاهنا تحاول تزیل الصراعات بین الإنسان والإنسان، فإنها بالأساس تحاول أن تصلح من شأن القیم الأخلاقیة التی تستند على الاصولیات الدینیة والرفع من قدر المؤسسات الدینیة إلى مرتبة الشریک الدیمقراطی الکامل ، والتشدید على المضامین المعرفیة (الحب والإستقامة والتضامن..إلخ)، بهدف ، وتغذیة الوعی المعیاری والتضامن المدنی، وتحسین النسالة اللیبرالیة، ومحاربة أعداء التنویر أو ما یسمى بالعدو الظلامی، وإشاعة وتفعیل المعنى الکامل للحیاة، والبعد عن مفاهیم "النفعیة" وإحلال قیم "الخیر.

إن المتأمل فی مسلمات ما بعد الإنسانیة، یجدها تسعى إلى بناء مؤسسات ذات کفاءة عالمیة لزیادة فعالیة الإرتباط بین الثقافات والهویات المتباینة، فضلاً عن مواجهة المشکلات والتحدیات التی تواجه الکوکب، وهو ما یتأتى من خلال تفعیل تقنیة المعلومات، والقضاء على التنائی بین الناس، وإلغاء الإنفصال الزمانی والمکانی، ذلک ما یکرس السلام العالمی، ویوطن مفاهیم الحریة والمساواة والإخاء وتعمیم قیم المواطنة العالمیة، ناهیک عن خلق عالم إنسانی یتجاوز ما بعد الجغرافیا، ویسود فیه حقوق الإنسان والتفاهم ومفاهیم الحکم الرشید ، وإشباع احتیاج الفئات المحرومة(22).

ثانیًا: جدل المواطنة العالمیة والفضاء الإفتراضی

ألمعنا قبل قلیل عن موقف المفکرین من إفلاس العقل والحداثة ونهایة مشروع التنویر، ومحاولاتهم التی لم تنکب عن ربط اللغة بالمصالح التی تحن إلیها، وذلک لتأسیس عقلانیة تواصلیة جدیدة تعمل على ربط الذات بالآخر دون قیود أو إکراهات لإحداث التماسک واللحمة الإجتماعیة. ولئن کان هذا الأمر یرمی إلى تحریر الوعی الإجتماعی واستبعاد إغتراب الذات من خلال التوکؤ على أفکار التواصل الإنسانی، فإنه یکون قد اتخذ من الفعل الإجتماعی الحر وتأویل الخطاب (فی إطار وجود الوسیط الحر) آلیة للتفاعل والتفاهم البینذاتی ، لتسیید المحاججه والتفاهم العالمی، بعیدًا عن العنف والسیطرة والإکراه. وحیث أن ذلک یتم فی الفضاء العام الافتراضی، فإنه یکون بمثابة فکرة تحریضیة للفعل السیاسی المستقل الذی من شأنه أن یخلق الوفاق والإجماع والحوار الدیمقراطی، وإنتفاء الأنانیة والذاتویة، وخلق اللحمة الإجتماعیة فی إطار الکل العالمی(23).

إذن فالتداول الحر عبر الفضاء الافتراضی سوف یسعى إلى إحداث التفاهم مع الآخر، لإیجاد مجموعة من التفاهمات المشترکة التی تفعلها اللغة وفق مقاییس الصدق والجدیة والصحة، وضد عملیات السیطرة على الآخر أو ابتزازه أو تشییئه أو تدجینة. وإذا کانت التداولیة الحرة عبر المجتمع الافتراضی تتحقق من خلال الفهم والإقناع والتفاوض بعیدًا عن مفاهیم إرادة القوة والهیمنة، فإنها سوف تعمل على تحویل التداولیة (التفاعل) إلى "نشاط استراتیجی"، عبره یتم إحداث التفاهم وتأسیس علاقة بینذاتیة (التذاوت)  والتنسیق بین الأفعال ونبذ العنصریة والتمجید الهویاتی(24).

وحیث أن التداول الحر الذی نریده فی العالم، یؤطر العلاقات الإجتماعیة فی سیاق الشبکات الإفتراضیة القائمة فی المجتمع، فإنه یساهم فی إحداث الحجاج العقلی، وإحراز التوافقات الممکنة والتفاهمات الواجبة وتحقیق الحوار والمثاقفة العابرة للحدود، وتدعیم قیم الکل فی واحد وتدفق المعلومات، فضلاً عن إحداث التجنیس الثقافی وتکریس التوازن العالمی(25).

وإذا کانت المواطنة العالمیة فی إطار الثقافة الکونیة سوف تعمل على إلغاء الجدل بین المحلی والعالمی. فإننا سوف نساهم فی الإبتعاد عن مصطلح الهویة الثقافیة" الضیقة"، وتحریک ما فوق المکان (الجغرافیا) والزمان (التاریخ)، ذلک ما سوف یساهم فی تحول "الأنا" إلى "نحن"، وبناء خطاب من المعانی والدلالات یجسد الإحساس بالهویة العالمیة، أو بالواحد العالمی التی تتشج فیه الثقافة الرأسمالیة وسیاسات السوق مع الثقافات الوطنیة، حتى یشیع  التعدد السیاسی والإجتماعی، وتنتهی الحروب ویسود الرخاء والسلام وتحل النشوة بإسم الکون وتدعیم قیم الثقة المتبادلة، ناهیک عن تأسیس الجماعة الإنسانیة بعیدًا عن العواطف والإنفعالات وتأسیس ما نسمیه  بالمواطنة النشطة "عالمیًا" التی تعمل على تحقیق التوازن بین ممارسة الحقوق الإجتماعیة والسیاسیة والمدنیة المحلیة والقومیة والعابرة للقومیات فی آن(26).

 

ثالثًا: نحو مثقف معولم متعدد الأبعاد

بإعتبار أن المجتمع الافتراضی ما هو إلا تجمعات إجتماعیة تکونت من مناطق متعددة الآلیات التکنولوجیة، بهدف فتح وتبادل المعارف وسیولتها لتفعیل قیم ما بعد الإنسانیة بعیدًا عن معاییر الزمان والمکان وتحقیق المصالح المشترکة وتعبئة الموارد والقدرات، فإننا نکون هاهنا بصدد ما یسمى بالتشبیک، الذی یعمل على توطین الشراکة والاستقلال الذاتی ودعم الجماعات المحرومة والمستبعدة وتفعیل الدیمقراطیة والتواصل الإنسانی والإندماج واحترام حقوق الانسان(27).

إنه بذا یکون المجتمع الإفتراضی هو المجتمع الذی یسود بین الناس من خلال آلیات الإتصال، إذ یجمع بین الناس بعیدًا عن الروابط التقلیدیة، لخلق نوعًا من الفردیة والتداخل بین الذات وذاتها من خلال التقنیة، حتى یتفوق التواصل بین الأفراد على الأجساد، ویمسی علاقة تفاعل تتعالى قیمتها مع ما هو سائد فی المجتمع الواقعی. إنه حسب التفاعل الذی یسود، فإن الفرد یعیش فی بیئة إفتراضیة أو قل بیئة ثالثة بدیلة، یتم من خلالها إختزال المجتمع الحقیقی والتاریخی وإختصاصاته وقیمه الصراعیة والإستعلائیة والاستغلالیة.

إنها حسب تقنیات الإتصال. فإن الموانع تتحرک بسهولة وتتدفق وتفیض، فتذیب الصلب، إذ یکون الخفة والتحرک والتقلب هو واقع الممارسة. فإذا کانت الإذابة هی سید الموقف، فإنها تعمل على التنصل من الماضی وإنزال التراث من عرشه لکی تحطم کل القیود أو الدروع التی تحد من عملیة الإنصهار والإندماج على صعید کونی، تلک العملیة التی تجعل الشبکة المعقدة للعلاقات الاجتماعیة التقلیدیة تتداعى وتموت، وتتجرد من کسوتها، حتى تدب معاییر العقلانیة فی أوصالها، وتحدث التشابکات الثقافیة والأخلاقیة ویتم سریان أو جریان التلاحم بین الشعوب، وتنعدم مفاهیم الزمان والمکان، وتکتسی الفئات الشبابیة مرونة جدیدة ودرجة کبیرة من الاستیعاب. فعدم سجن عملیة التواصل وفتح الأبواب على مصراعیها أمام الشباب، سیعمل بالطبع على تطبیع مفاهیم أو منظومة العیش المشترک والتعاون والحب والثقة(28).

وإذا کان المجتمع الافتراضی عبر الشبکات الافتراضیة سوف یقوم بصهر الفئات الشبابیة فی معیة واحدة، فإنه سوف یعمل على إنتاج کوکبة من المعارف والمعلومات والقیم والمعتقدات والافکار والآراء والمهارات بفرض هیکلة الوجود المعاش، وإحداث عملیة التثاقف الکونی الذی من خلالها یتم تأسیس الحزم الثقافیة التی تکون بمثابة العین التی نرى بها العالم ونحکم من خلالها على الأشیاء، ناهیک عن تعیین طبیعة توقعاتنا ورغباتنا وتحدید محددات التفاعل مع الآخر(29).

وإذا کان ما سبق، یمثل وظیفة المثقف المعولم الذی هو بالأحرى ابن واقعه، فإنه یکون فی هذا السیاق هو أیضًا منتج المعرفة والمدافع عن التثاقف والتداخل الحضاری والتعایش، ذلک ما یجعله مدفوعًا بعدم الغیاب، حتى یضطلع بأدواره –کناشط ومروض- ومحرر للإنسان. وحتى یمکنه الإضطلاع بذلک فی أی مکان. (30).

وإذا کان لکل عصر من یتحمل عبء التفکیر والتنفیذ لکل قیمة وتوجهاته وحتى أیدیولوجیته، فإننا هنا ننادی بضرورة وجود المثقف المعولم، فإنه لا ینبغی وحسب أن یکون حاملاً للفکر أو حتى یکون ممارسًا، وإنما أن یکون متعدد الأبعاد ویحمل المعارف والمعلومات ویضخها للآخر عبر الشبکات الافتراضیة ، بما یجعله أیدیولوجی متخصص یعمل على ترسیخ قیم التسامح والحریة والتواصل الانسانی. والدفاع عن الفئات المستضعفة وتنتقض ممارسات القهر والتسلط.

وبید أننا هنا نتحدث عن ما یسمى بالمثقف العضوی العالمی، فإنه لا یکون متحدثًا بإسم مجموعة معینة من الناس أو حتى لسان حال وصفه، وإنما نتحدث مثقف الکل الذی یضم المعارف والمعلومات، ویدافع عن الآخر أینما کان، ذلک ما یجعله منورًا ومحفزًا للآخرین فی إطار وجودهم.

إننا هنا ننادی بأن یکون الشباب هم مثقفوا الکل، وفی المقابل ننادی بضرورة التسلح بالمعارف والبیانات والقیم الکونیة أو ما بعد الانسانیة، حتى یتم تجاوز المحلیة وطی معاییر الزمان والمکان وإشاعة المنفعة وإنهاء الأنانیة. إننا وفق ذلک بتطلع مثقف الکل أو المثقف المعولم هو المتحدث بإسم الجمیع لإنتاج قیم السلام وتفکیک المراکز الصلبة وإحداث الوئام الدولی والتسامح ونبذ التناقض والصراع وتقریب الفوارق ومخاصمة القیم الخاصة.

وإذا کنا هنا نبتعد عن المثقف النوعی أو الخصوصی الذی عرفته الأدبیات السوسیولوجیة، إذ یتحدد بنطاقات الخاصة، فإننا نخلع هاهنا على المثقف المعولم متعدد الأبعاد بمجموعة من الخصائص الواجب توافرها فیه، تلک التی تتمثل فی تمتعهم بالاستقلال الذاتی والحریة وبالرؤیة الناقدة، والبعد عن الأیدیولوجیات المتخشبة، ومتابعة کل ما یحدث على الصعید الکونی  لتفعیل منطق العیش المشترک، وإحلال استراتیجیة الإحتواء أو الدمج بدیلاً عن إستراتیجیة الإقصاء، وهو ما یتم من خلال الحوار وقبول الآخر ونبذ الاختلافات بالأساس والاستعلاء وتفعیل مبدأ الثقة(31).

وإذا کان ما سبق، هو ما ینطلی على طبائع وقیم ما یسمى بالحداثة السائلة، فإننا نؤمن أیضًا بضرورة  صیرورة ودینامیة العقلانیة وتعزیز عملیة الإصلاح وتفعیل الحیاة المشترکة والحوار والاحتکاکات وتحقیق السعادة وتفکیک الهویات الضیقة والدخول فی المعیة الکونیة وتفکیک الهویات وإعادة ترکیبها على مستوى واسع حتى یتم تحقیق النجاح فی الدخول والخروج من اللامکان والزمان بطریقة حرة، ویتم بناء العالم الجدید (32).

 

 

خاتمة:

 فی ختام هذا الورقة یمکننا القول أنه ما أشبه الأمس بالبارحة ،وکأن الإنسانیة تجتر أفکارها التی طرحتها الثورة الفرنسیة حینما حاولت صیاغة "إنجیل" أخلاقی واجتماعی جدید، یأخذ من الإنسانیة واقعًا أعلى یتجاوز به الفرد بما لانهایة ، لیتحکم فیه بعد ذلک من خلال أفکار المواطنة العالمیة التی تعمل على إیجاد روح واحدة تتمثل فی الإخلاص للعمل المشترک القائم على الإستثمار التقنی والإنتاج الصناعی لجلب الخیر کله للکرة الأرضیة وتمجید الکرامة الإنسانیة والفردیة بعیدًا عن المنازعات بین الأنات(جمع الأنا)، حتى تکون العدالة الکونیة و" العقل الجمعی" عقیدة إنسانیة خالصة، أو قل دیناً للمستقبل تنتفی فیه الوضاعة الغریزیة لتحل محلها القیم "التضامنیة(33)".

وحیث أن إحلال مثل هذه المفاهیم سوف یؤدی أیضًا إلى إنهاء الخصومات والعداوات، ومن ثم التقسیم الشائع بین الخاص والعام، أو بین المحلیة والکونیة، فإنه بالأحرى سیؤدی إلى خلق إطار مشترک تنتفی فیه الخلافات الأیدیولوجیة والخصومة العقدیة، حتى تسود العقلانیة الشاملة التی تنزع إلى القدر الإنسانی الجدید الذی یستند على اللغة والحوار أوالتواصل وبعیدًا عن الهیمنة الإقتصادیة والسیاسیة التی یتوکأ علیها النموذج العولمی الذی یعمل على الفهم الأحادی وحسب، ومن ثم تأجیج الأحقاد العرقیة(34).

إذن فالدعوة إلى ما بعد الإنسانیة تأتی هنا لتفعیل التواصل الکونی وتکریس الإرادة الجمعیة وغرس الإحساس المشترک، الذی من شأنه أن یجرد الوعی الوطنی من کل التشوهات والأوهام التی تدفع بالذات إلى الحوار والتسامح وإثراء المعرفة وتبادلها ، والسعی إلى التقارب والتعارف وعدم التناکر، والبعد عن التطاحن وإحترام الآخرین وتحقیق المساواة(35).

إن تفعیل التداول الحر أو الحوار الإنسانی یجعلنا بصدد تأسیس الحوار الحضاری الذی یأخذ بید الإنسانیة إلى تفعیل أسباب وجودها، ونفی کل ما یتسبب فی تدمیر وجودها، ناهیک عن خلق المثقف الکونی المؤهل والقادر على مواجهة ما یکتنف الوجود من إشکالیات. إنه فی إطار استبعاد کل ما یعترض الإنسان من منغصات، فقد بات مفهوم الإنسانوی فی بعده المعرفی هو القیمة الأساسیة التی تدفع بأهمیة الوجود فی الحیاة، إذ من خلالها یتم منح الثقة فی المنظومة القیمیة لما بعد الإنسانیة التی تعد مبدأً وأُسًا أخلاقیًا یرتبط  بإشاعة الحب والتعاون والتضامن ونفی الصراع، وتحقیق التواصل السلیم ، والرضى بالآخر ونفی اللامعقول.  

فآلیات المجتمع الإفتراضی تفتح الباب أمام تداول الأفکار الجدیدة التی تدور حول التمرد والتواصل والحریة والدیمقراطیة، تلک التی تحرک الواقع. وتذیب الحدود بین کل شیء، وتجعل التکنولوجیا تتجاوز الزمان والمکان وتؤجج التدفق المعلوماتی الذی یساهم فی تأسیس مجتمع شبکی یعتمد على المتعة والاستبصار والمعارف الذکیة والعلاقات والأفعال اللامتناهیة التی تتداخل فیه العلاقة بین الإنسان والتکنولوجیا (الحاسوب)، بهدف تعزیز مساحات الحریة والدیمقراطیة والتسامح وقبول الآخر.

وإذا کانت الشبکات الافتراضیة تساهم فی صیاغة ما یسمى بالمفکر المعولم متعدد الأبعاد فی العوالم المعاشة، فإنها تجعل هذه البیئات منظومة مفتوحة (من حیث المادة والطاقة) ، وهو ما یجعل الخلایا أو المکونات الخاصة بها تنتج نوعًا من التدفق الذی یحاول أن یصنع علاقة بین ذاتیه(أوتومانیة) مع کائن آخر، وهو ما یجعلنابصدد بیئة شبکیة مفتوحة تحقق لذاتها التوازن والإستقرار من جانب، والتدفق غیر المحدود للتغییر من جانب آخر، فضلاً عن مساهمتها فی تأسیس أشکال جدیدة أو ما یسمیه "بردیان جوردن" بالتعقد الصوری(36).

فالشبکات بینما تمضی قدمًا فی التوسع والتعقید، فإنها فی الوقت عینه تعمل على التخلق الذاتی، وهو ما یفضح عملیة التنوع فی الأشکال التی تطغی على کل مسائل الحیاة، ویعکس بالطبع طبیعة التفاعل والتعایش والإنتقاء الذی تقوم بها المفردات الحیة فی الشبکة، وهو ما تقوم به عملیة المعرفة التی تعد بمثابة عملیة الحیاة نفسها . فعن طریق المعرفة (أو الوعی) یتم صنع الذات والتواصل بالشبکات الحیة وإحداث التغیرات البنیویة وتفعیل التیرات الدینامیة داخل المنظومات الحیة والتواصل بینها (عن طریق اللغة) وبین البیئة الخارجیة. إذن فالمنظومة الحیة أو الشبکات تعمل من خلال المعرفة أو الخبرة التی یکنزها الکائن على تحدی التغیرات الطبیعیة، وتجنب ما یحدث نتیجة لها من إرباکات(37).

     

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المراجع:

1-                       فالری جی بوتی وشارون ل.و لتشیک، الشباب والثورات الانتخابیة ما بعد الشیوعیة، ألا تثق إطلاقًا بما یتجاوز عقده الثالث، فی: جورج فوربریج وباقول ویمیس (محرران)، عودة الدیمقراطیة، المجتمع المدنی والتقیید الانتخابی فی وسط وشرق أوربا، د.ن، الطبعة الاولى، 2011، ص ص307،310 وص ص316-317.

2-                       أسماء الهادی، التأثیرات التربویة للمجتمعات الافتراضیة، فی: http//:www.researchgate.net

3-                       Elmahrcusa center.org

4-    على أسعد وطفه، تأملات فی مفهوم الشباب وثقافة الشباب،فی: www.tourathripoli.org.وراجع أیضًا: محمد على محمد، الشباب والمجتمع العربی، دار المعرفة الجامعیة، الأسکندریة، ،1986 ص21وص23.

5-                       Musgrove F.,Youth and Socialorder,Roatldge and Reganpaul,1968. وراجع ایضًا: عبد القادر عرابی، الشباب العربی: مشاکل وأفاق، المستقبل العربی(مجلة)، مرکز دراسات الوحدة العربیة، العدد (48)، بیروت، فبرایر1983، ص88.

6-                       السید عبد العاطی، صراع الأجیال، دراسة فی ثقافة الشباب، دار المعرفة الجامعیة، الأسکندریة، 1990.

7-                       محمد علی علی، الشباب والمجتمع العربی، دار المعرفة الجامعیة، الأسکندریة، 1986، ص ص77،80.

8-                       دریسی نوری، إستعمال المجال العام فی المدینة الجزائریة، رسالة ماجستیر (غیر منشورة)، جامعة محمد منتوری، قسطنتینیة، الجزائر، 2007، ص1. وأنظر فی ذلک أیضًا:

-أرماندو سلفاتوری، المجال العام: الحداثة اللیبرالیة والکاثولیکیة والإسلام، ترجمة أحمد زاید، المرکز القومی للترجمة، الطبعة الأولى، القاهرة، 2012، ص ص30-32.

- رشید العلوی، الفضاء العمومی من هابرماس إلى نانسى فریزر، مؤمنون بلا حدود، فی: www.mominoun.com،ص4.

9-                        راجع فی ذلک: شحاتة صیام، سوسیولوجیا ما بعد الحداثة فی النهایات المفتوحة، مصر العربیة للنشر والتوزیع، الطبعة الأولى، القاهرة، 2010، ص113.

-      یتجسد الفضاء العام فی الوجودات الإجتماعیة الصغیرة مثل العائلة، وکذا فی الوحدات الکبیرة مثل المجتمع بکل مؤسساته. أنظر فی ذلک: یورجن هابرماس، القول الفلسفی للحداثة، ترجمة فاطمة الجیوشی........،مرجع سابق، ص305. وأیضًا:

-      أرماندو سلفاتوری، المجال العام: الحداثة اللیبرالیة.......، مرجع سابق، ص15.

10-                  رشید العلوی، الفضاء العمومی من هابرماس........، مرجع سابق، ص2،ص9،ص6.

11-                  المرجع نفسه، ص12.

12-                  إبراهیم البیومی، أصول المجال العام وتحولاته فی الإجتماع السیاسی الإسلامی، مجلة الشریعة والدراسات الإسلامیة، العدد (15)، فبرایر2010، ص8.

13-                  علی عبود المحمداوی، هابرماس والمسألة الدینیة.....، مرجع سابق، ص187.وراجع أیضًا: أودیفة سلیم، فلسفة التداولیات الصوریة وأخلاقیات النقاش عند یورجن هابرماس، کلیة العلوم الإنسانیة والعلوم الإجتماعیة، جامعة منتوری، الجزائر، 2009، ص9.

14-                  علی عبود المحمداوی، هابرماس والمسألة الدینیة.....، مرجع سابق، ص 188، ص180، ص207.

15-                  فربیتوف کابرا، الوصلات الخفیة: تکامل الابعاد البیولوجیة والمعرفیة للحیاة من أجل علم للاستدامة، المرکز القومی للترجمة، الطبعة الأولى، القاهرة، 2012، ص50.

(*)وثمة شکلان یمیزان مجتمع الشبکات فی الواقع الانسانی هما ما یسمى بالزمان والمکان اللذان یشران إلى مکان التدفق وزمن  اللاوقت. فبإعتبار أن الزمان والمکان متصلان فی الطبیعة، فإن المکان هو الفضاء الذی یتم فی إطاره الممارسات الاجتماعیة والتفاعلات التی تحدث بطریقة تزامنیة، فی إطار الشبکات یتم الإعتماد على تدفق المعلومات التی من خلالها یتم تحقیق النشاط فی إطار الأماکن. ویلاحظ هنا أننا لا نقوم بربط الزمن بالسیاق الاجتماعی، وإنما نحن نربط بین زمننته فی إطار الممارسات والأخیرة التی تتباین من وقت إلى آخر ومن حیز إلى المخالف له، وهو ما یفرض ضرورة تعدیل البرامج المرتبطة بها.

16-                  مانویل کاستلز، سلطة الإتصال، ترجمة وتقدیم محمد حرفوش، المرکز القومی للترجمة، الطبعة الأولى، القاهرة، 2014،ص37.

(**) ویعود الفضل إلى صک مفهوم إعادة التخلق Outopisis إلى إثنین من علماء البیولوجیا هما "أمیرتو ماتورانا" و "ترنشسکوفاریلا" اللذان أطلقا علیها أسم صنع الذات، ومن ثم ترکیب ذاتها من خلال تفعیل عملیة الترشیح الإنتقائی للجزئیات التی تدخل إلیها وکذا ما یخرج منها. وبإعتبار أن هذه العملیات تشیر إلى منظومة حیة بالأساس، فإنها تستند على معاییر قویة لتفرق بین ما هو حی أو عکس ذلک، وهناک طرح آخر قدمه لومان حول فکرة التخلق الذاتی على الصعید الاجتماعی تختلف عما قدمه االآخرین حول أن المنظومات الاجتماعیة هی منظومات حیاتیة، وإنما هی منظومات حیة تعتمد على العرقیة، التی تجعل  الأفراد یتواصلون عبر أفعال معینة یجعلها تعتبر إنتاج ذاتی بطریقة دائمة. إنه من خلال هذا التواصل والمعانی التی یتم تداولها، فإن الشبکة تعمل على خلق ذاتها.         

17-                  مانویل کاستلز، سلطة الإتصال......، مرجع سابق، ص54،ص106.

18-                  عبد الوهاب المسیری وعزیز العظمه، العلمانیة تحت المجهر، دار الفکر المعاصر ودار الفکر، الطبعة الأولى، بیروت ودمشق، 2000، ص142.

19-                  أمانی أبو رحمة، نهایات ما بعد الحداثة: إرهاصات عصر جدید، دار عدنان، الطبعة الأولى، العراق، 2013، ص79. وراجع أیضًا:

-یورغن هابرماس، مجتمع ما بعد العلمانیة: ماذا یعنی ذلک؟، مؤسسة ریسیت للحوار بین الحضارات، اسطنبول، 2 یونیو إلى 6 یونیو2008.

-مایک فیزرستون، ثقافة الإستهلاک وما بعد الحداثة.....، مرجع سابق، ص24، ص28.

20-                  المرجع نفسه،ص84.

21-                  هابرماس، جون راستیغر، جدلیة العلمنة: العقل والدین، تعریب حمید لشهب، جداول، الطبعة الأولى، بیروت، 2013، ص55.

22-                  Michael Ignatieff, “The Myth of Citizenship”, in: Ronald Beiner (ed.) ,Theorizing Citizenship,  The State University of New York Press,new york 1995, pp. 53-57.

23-                  أودینه سلیم، فلسفة التداولیات الصوریة وأخلاق النقاش عند یورغن هابرماس، کلیة العلوم الإنسانیة والإجتماعیة، جامعة منتوری، الجزائر، 2009، ص ص10-11.

24-                  محمد نور الدین أفایة، الحداثة والتواصل فی الفلسفة النقدیة المعاصرة: نموذج هابرماس أفریقیا الشرق، الطبعة الثانیة، الرباط، 1988، ص ص100-101. راجع ایضًا:

-      المختار بنعبدلاوی، هابرماس: من الحداثة إلى الدیمقراطیة، رهانات (مجلة)، العدد (3)، مرکز الدراسات والأبحاث الإنسانیة، الدار البیضاء، ربیع 2007.

-      أبو النور حمدی أبو النور، یورجن هابرماس.......، مرجع سابق، ص ص153-155.

25-                  المختار بنعبدلاوی، هابرماس: من الحداثة إلى الدیمقراطیة....، مرجع سابق، ص5. ویمکن الرجوع أیضًا الى: حسن مصدق، النظریة النقدیة التواصلیة :یورغن هابرماس ومدرسة فرانکفورت ........، مرجع سابق، ص142.

-بول هوبز، نحو فهم للعولمة الثقافیة، ترجمة طلعت الشابی، المرکز القومی للترجمة، الطبعة الأولى، القاهرة، 2011، ص184.

      وللمزید حول هذه الافکار راجع :

-Casteii S M., The Rise of Network Socity, The informationge, No.7, Vol.1,Blackwell,Oxford, 1997,p.27.

- Welsh W., Transculturality: The Puzzling From of Culture Today, in: Featherston M., lash S., (eds.) Space of Culture: City,Nation, World, Sage, London,1999, Pp194-213.

-Seligman A., "Animadvacrsions Upon Civil Society and Civic Virtue in the last decade of the 20th Century" , in: Hall.J.,(ed) Civil Society, London, Polity Press, 1995, P.26.

26-                  Giddens A., Modernity and Self Indentity. Polity Press, London, 1991,p.5 .Anderson B., Imagined Communities: Reflections an origin and Spread of Nationalism, Verso, London, 1983, Pp52-53.

27-                  ولید رشاد زکی، نظریة الشبکات الاجتماعیة: من الأیدیولوجیا إلى المیثودولوجیا، المرکز العربی لأبحاث الفضاء الالکترونی، فی: www.accro.com  وأنظر أیضًا: هانی جازم الصلوی، الحداثة اللامتناهیة الشبکیة: آفاق ما بعد الحداثة، أروقة، الطبعة الأولى، القاهرة، 2015.

28-                  زیجمونت باومان، الحداثة السائلة، ترجمة حجاج أبو جبر، الشبکة العربیة للأبحاث، الطبعة الأولى، بیروت، 2016، ص43.

29-                  فربیتوف کابرا، الوصلات الخفیة.....، مرجع سابق، ص141.

30-                  أحرى بنا أن نسجل أننا نتباعد عما طرحه سارتر حول مفهوم المثقف الکونی، أو ما دفع به بوردیو لما یطلق علیه المثقف الخصوصی ، أو ما قدمه جرامشی حول المثقف العضوی ، لکی یجمع ما هو عام وخاص فی إطار ما أسمیناه بالمثقف المعولم متعدد الأبعاد، راجع فی ذلک: عبد السلام مخیمر، فی سوسیولوجیا الثقافة والمثقفین: من سوسیولوجیا التمثلات إلى سوسیولوجیا العقل، الشبکة العربیة للابحاث والنشر، الطبعة الاولى، بیروت 2009.

31-                  حول هاتات الاستراتیجیتان، راجع: کلودلیفی شتراوس، مواربات جزئیة، ترجمة محمد رجیح، دار التعاون، الطبعة الأولى، دمشق، 2003.

32-                  زیجمونت باومان، الحداثة السائلة.............، مرجع سابق، ص33.

33-                  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، الحیاة السائلة، ترجمة حجاج أبو جبر، الشبکة العربیة للأبحاث، الطبعة الأولى، بیروت، ،2016، ص24،ص55، ص175.

34-                  للمزید حول ذلک راجع : الحسین أخدوش، جدلیة الدینی والکونی: بحث فی الخلفیات المرجعیة والمنهجیة الکامنة وراء القیم الکونیة ومدى اتصالها بالدینی: مقاربة تاریخیة نقدیة، المرکز العربی للأبحاث ودراسة السیاسات، الدوحة /قطر، دیسمبر 2014.

35-                  جاءت کلمة التسامح على إثر ما نادى به مارتن لوثر (1546- 1483) لإصلاح سیاسات الکنیسة الکاثولیکیة تجاه الإضطهاد الدینی، وهو ما ساهم فی وجود کثیر من الأفکار حول حریة التعدد الدینی. فى ذلک یمکن الاطلاع على:

-      حمادی أنوار، التسامح الدینی: من التطرف إلى حریة الإعتقاد عند جون لوک، فی: Mominoun Without Borders

-      صامویل هنتنجتون، صدام الحضارات: إعادة صنع النظام العالمی، ترجمة طلعت الشایب، سطور، الطبعة الثانیة، القاهرة، 1989.

-      محمد جیاد زین، التسامح وثقافة الحوار مع الآخر، فی: مجلة آداب الفراهیدی، العدد 11، یونیو 2012، ص ص536-537 .

36-                  Luissip.L.,Difiuation to Life Self Replicutiug Bownded Cuemical Autopoiesis,Steim w and Varela (eds.),thiukiug about Biology Addisou and Wesley,N.Y.1993.

37-                  فربیتوف کابرا، الوصلات الخفیة.....، مرجع سابق، ص75.

 

المراجع:
1-                       فالری جی بوتی وشارون ل.و لتشیک، الشباب والثورات الانتخابیة ما بعد الشیوعیة، ألا تثق إطلاقًا بما یتجاوز عقده الثالث، فی: جورج فوربریج وباقول ویمیس (محرران)، عودة الدیمقراطیة، المجتمع المدنی والتقیید الانتخابی فی وسط وشرق أوربا، د.ن، الطبعة الاولى، 2011، ص ص307،310 وص ص316-317.
2-                       أسماء الهادی، التأثیرات التربویة للمجتمعات الافتراضیة، فی: http//:www.researchgate.net
3-                       Elmahrcusa center.org
4-    على أسعد وطفه، تأملات فی مفهوم الشباب وثقافة الشباب،فی: www.tourathripoli.org.وراجع أیضًا: محمد على محمد، الشباب والمجتمع العربی، دار المعرفة الجامعیة، الأسکندریة، ،1986 ص21وص23.
5-                       Musgrove F.,Youth and Socialorder,Roatldge and Reganpaul,1968. وراجع ایضًا: عبد القادر عرابی، الشباب العربی: مشاکل وأفاق، المستقبل العربی(مجلة)، مرکز دراسات الوحدة العربیة، العدد (48)، بیروت، فبرایر1983، ص88.
6-                       السید عبد العاطی، صراع الأجیال، دراسة فی ثقافة الشباب، دار المعرفة الجامعیة، الأسکندریة، 1990.
7-                       محمد علی علی، الشباب والمجتمع العربی، دار المعرفة الجامعیة، الأسکندریة، 1986، ص ص77،80.
8-                       دریسی نوری، إستعمال المجال العام فی المدینة الجزائریة، رسالة ماجستیر (غیر منشورة)، جامعة محمد منتوری، قسطنتینیة، الجزائر، 2007، ص1. وأنظر فی ذلک أیضًا:
-أرماندو سلفاتوری، المجال العام: الحداثة اللیبرالیة والکاثولیکیة والإسلام، ترجمة أحمد زاید، المرکز القومی للترجمة، الطبعة الأولى، القاهرة، 2012، ص ص30-32.
- رشید العلوی، الفضاء العمومی من هابرماس إلى نانسى فریزر، مؤمنون بلا حدود، فی: www.mominoun.com،ص4.
9-                        راجع فی ذلک: شحاتة صیام، سوسیولوجیا ما بعد الحداثة فی النهایات المفتوحة، مصر العربیة للنشر والتوزیع، الطبعة الأولى، القاهرة، 2010، ص113.
-      یتجسد الفضاء العام فی الوجودات الإجتماعیة الصغیرة مثل العائلة، وکذا فی الوحدات الکبیرة مثل المجتمع بکل مؤسساته. أنظر فی ذلک: یورجن هابرماس، القول الفلسفی للحداثة، ترجمة فاطمة الجیوشی........،مرجع سابق، ص305. وأیضًا:
-      أرماندو سلفاتوری، المجال العام: الحداثة اللیبرالیة.......، مرجع سابق، ص15.
10-                  رشید العلوی، الفضاء العمومی من هابرماس........، مرجع سابق، ص2،ص9،ص6.
11-                  المرجع نفسه، ص12.
12-                  إبراهیم البیومی، أصول المجال العام وتحولاته فی الإجتماع السیاسی الإسلامی، مجلة الشریعة والدراسات الإسلامیة، العدد (15)، فبرایر2010، ص8.
13-                  علی عبود المحمداوی، هابرماس والمسألة الدینیة.....، مرجع سابق، ص187.وراجع أیضًا: أودیفة سلیم، فلسفة التداولیات الصوریة وأخلاقیات النقاش عند یورجن هابرماس، کلیة العلوم الإنسانیة والعلوم الإجتماعیة، جامعة منتوری، الجزائر، 2009، ص9.
14-                  علی عبود المحمداوی، هابرماس والمسألة الدینیة.....، مرجع سابق، ص 188، ص180، ص207.
15-                  فربیتوف کابرا، الوصلات الخفیة: تکامل الابعاد البیولوجیة والمعرفیة للحیاة من أجل علم للاستدامة، المرکز القومی للترجمة، الطبعة الأولى، القاهرة، 2012، ص50.
(*)وثمة شکلان یمیزان مجتمع الشبکات فی الواقع الانسانی هما ما یسمى بالزمان والمکان اللذان یشران إلى مکان التدفق وزمن  اللاوقت. فبإعتبار أن الزمان والمکان متصلان فی الطبیعة، فإن المکان هو الفضاء الذی یتم فی إطاره الممارسات الاجتماعیة والتفاعلات التی تحدث بطریقة تزامنیة، فی إطار الشبکات یتم الإعتماد على تدفق المعلومات التی من خلالها یتم تحقیق النشاط فی إطار الأماکن. ویلاحظ هنا أننا لا نقوم بربط الزمن بالسیاق الاجتماعی، وإنما نحن نربط بین زمننته فی إطار الممارسات والأخیرة التی تتباین من وقت إلى آخر ومن حیز إلى المخالف له، وهو ما یفرض ضرورة تعدیل البرامج المرتبطة بها.
16-                  مانویل کاستلز، سلطة الإتصال، ترجمة وتقدیم محمد حرفوش، المرکز القومی للترجمة، الطبعة الأولى، القاهرة، 2014،ص37.
(**) ویعود الفضل إلى صک مفهوم إعادة التخلق Outopisis إلى إثنین من علماء البیولوجیا هما "أمیرتو ماتورانا" و "ترنشسکوفاریلا" اللذان أطلقا علیها أسم صنع الذات، ومن ثم ترکیب ذاتها من خلال تفعیل عملیة الترشیح الإنتقائی للجزئیات التی تدخل إلیها وکذا ما یخرج منها. وبإعتبار أن هذه العملیات تشیر إلى منظومة حیة بالأساس، فإنها تستند على معاییر قویة لتفرق بین ما هو حی أو عکس ذلک، وهناک طرح آخر قدمه لومان حول فکرة التخلق الذاتی على الصعید الاجتماعی تختلف عما قدمه االآخرین حول أن المنظومات الاجتماعیة هی منظومات حیاتیة، وإنما هی منظومات حیة تعتمد على العرقیة، التی تجعل  الأفراد یتواصلون عبر أفعال معینة یجعلها تعتبر إنتاج ذاتی بطریقة دائمة. إنه من خلال هذا التواصل والمعانی التی یتم تداولها، فإن الشبکة تعمل على خلق ذاتها.         
17-                  مانویل کاستلز، سلطة الإتصال......، مرجع سابق، ص54،ص106.
18-                  عبد الوهاب المسیری وعزیز العظمه، العلمانیة تحت المجهر، دار الفکر المعاصر ودار الفکر، الطبعة الأولى، بیروت ودمشق، 2000، ص142.
19-                  أمانی أبو رحمة، نهایات ما بعد الحداثة: إرهاصات عصر جدید، دار عدنان، الطبعة الأولى، العراق، 2013، ص79. وراجع أیضًا:
-یورغن هابرماس، مجتمع ما بعد العلمانیة: ماذا یعنی ذلک؟، مؤسسة ریسیت للحوار بین الحضارات، اسطنبول، 2 یونیو إلى 6 یونیو2008.
-مایک فیزرستون، ثقافة الإستهلاک وما بعد الحداثة.....، مرجع سابق، ص24، ص28.
20-                  المرجع نفسه،ص84.
21-                  هابرماس، جون راستیغر، جدلیة العلمنة: العقل والدین، تعریب حمید لشهب، جداول، الطبعة الأولى، بیروت، 2013، ص55.
22-                  Michael Ignatieff, “The Myth of Citizenship”, in: Ronald Beiner (ed.) ,Theorizing Citizenship,  The State University of New York Press,new york 1995, pp. 53-57.
23-                  أودینه سلیم، فلسفة التداولیات الصوریة وأخلاق النقاش عند یورغن هابرماس، کلیة العلوم الإنسانیة والإجتماعیة، جامعة منتوری، الجزائر، 2009، ص ص10-11.
24-                  محمد نور الدین أفایة، الحداثة والتواصل فی الفلسفة النقدیة المعاصرة: نموذج هابرماس أفریقیا الشرق، الطبعة الثانیة، الرباط، 1988، ص ص100-101. راجع ایضًا:
-      المختار بنعبدلاوی، هابرماس: من الحداثة إلى الدیمقراطیة، رهانات (مجلة)، العدد (3)، مرکز الدراسات والأبحاث الإنسانیة، الدار البیضاء، ربیع 2007.
-      أبو النور حمدی أبو النور، یورجن هابرماس.......، مرجع سابق، ص ص153-155.
25-                  المختار بنعبدلاوی، هابرماس: من الحداثة إلى الدیمقراطیة....، مرجع سابق، ص5. ویمکن الرجوع أیضًا الى: حسن مصدق، النظریة النقدیة التواصلیة :یورغن هابرماس ومدرسة فرانکفورت ........، مرجع سابق، ص142.
-بول هوبز، نحو فهم للعولمة الثقافیة، ترجمة طلعت الشابی، المرکز القومی للترجمة، الطبعة الأولى، القاهرة، 2011، ص184.
      وللمزید حول هذه الافکار راجع :
-Casteii S M., The Rise of Network Socity, The informationge, No.7, Vol.1,Blackwell,Oxford, 1997,p.27.
- Welsh W., Transculturality: The Puzzling From of Culture Today, in: Featherston M., lash S., (eds.) Space of Culture: City,Nation, World, Sage, London,1999, Pp194-213.
-Seligman A., "Animadvacrsions Upon Civil Society and Civic Virtue in the last decade of the 20th Century" , in: Hall.J.,(ed) Civil Society, London, Polity Press, 1995, P.26.
26-                  Giddens A., Modernity and Self Indentity. Polity Press, London, 1991,p.5 .Anderson B., Imagined Communities: Reflections an origin and Spread of Nationalism, Verso, London, 1983, Pp52-53.
27-                  ولید رشاد زکی، نظریة الشبکات الاجتماعیة: من الأیدیولوجیا إلى المیثودولوجیا، المرکز العربی لأبحاث الفضاء الالکترونی، فی: www.accro.com  وأنظر أیضًا: هانی جازم الصلوی، الحداثة اللامتناهیة الشبکیة: آفاق ما بعد الحداثة، أروقة، الطبعة الأولى، القاهرة، 2015.
28-                  زیجمونت باومان، الحداثة السائلة، ترجمة حجاج أبو جبر، الشبکة العربیة للأبحاث، الطبعة الأولى، بیروت، 2016، ص43.
29-                  فربیتوف کابرا، الوصلات الخفیة.....، مرجع سابق، ص141.
30-                  أحرى بنا أن نسجل أننا نتباعد عما طرحه سارتر حول مفهوم المثقف الکونی، أو ما دفع به بوردیو لما یطلق علیه المثقف الخصوصی ، أو ما قدمه جرامشی حول المثقف العضوی ، لکی یجمع ما هو عام وخاص فی إطار ما أسمیناه بالمثقف المعولم متعدد الأبعاد، راجع فی ذلک: عبد السلام مخیمر، فی سوسیولوجیا الثقافة والمثقفین: من سوسیولوجیا التمثلات إلى سوسیولوجیا العقل، الشبکة العربیة للابحاث والنشر، الطبعة الاولى، بیروت 2009.
31-                  حول هاتات الاستراتیجیتان، راجع: کلودلیفی شتراوس، مواربات جزئیة، ترجمة محمد رجیح، دار التعاون، الطبعة الأولى، دمشق، 2003.
32-                  زیجمونت باومان، الحداثة السائلة.............، مرجع سابق، ص33.
33-                  ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ، الحیاة السائلة، ترجمة حجاج أبو جبر، الشبکة العربیة للأبحاث، الطبعة الأولى، بیروت، ،2016، ص24،ص55، ص175.
34-                  للمزید حول ذلک راجع : الحسین أخدوش، جدلیة الدینی والکونی: بحث فی الخلفیات المرجعیة والمنهجیة الکامنة وراء القیم الکونیة ومدى اتصالها بالدینی: مقاربة تاریخیة نقدیة، المرکز العربی للأبحاث ودراسة السیاسات، الدوحة /قطر، دیسمبر 2014.
35-                  جاءت کلمة التسامح على إثر ما نادى به مارتن لوثر (1546- 1483) لإصلاح سیاسات الکنیسة الکاثولیکیة تجاه الإضطهاد الدینی، وهو ما ساهم فی وجود کثیر من الأفکار حول حریة التعدد الدینی. فى ذلک یمکن الاطلاع على:
-      حمادی أنوار، التسامح الدینی: من التطرف إلى حریة الإعتقاد عند جون لوک، فی: Mominoun Without Borders
-      صامویل هنتنجتون، صدام الحضارات: إعادة صنع النظام العالمی، ترجمة طلعت الشایب، سطور، الطبعة الثانیة، القاهرة، 1989.
-      محمد جیاد زین، التسامح وثقافة الحوار مع الآخر، فی: مجلة آداب الفراهیدی، العدد 11، یونیو 2012، ص ص536-537 .
36-                  Luissip.L.,Difiuation to Life Self Replicutiug Bownded Cuemical Autopoiesis,Steim w and Varela (eds.),thiukiug about Biology Addisou and Wesley,N.Y.1993.
37-                  فربیتوف کابرا، الوصلات الخفیة.....، مرجع سابق، ص75.