الاخصائي الاجتماعي بين المواطنة المسئولة والهوية المنقوصة

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

استاذ طرق الخدمة الاجتماعية ووکيل کلية الخدمة الاجماعية لشئون الدراسات العليا والبحوث جامعة الفيوم

المستخلص

             تعد المواطنة من القيم والقضايا التي تفرض نفسها بجلاء علي صعيد الاهتمام بقضايا التنمية والإصلاح الاجتماعي وحل الصراعات والأزمات المجتمعية بمختلف المسارات السياسية والاقتصادية والتشريعية والتعليمية والاجتماعية ، حيث تشکل المواطنة البوتقة التي تستوعب مختلف الانتماءات وتضمن عملهم في معية واحدة بروح المشارکة والاندماج لتحقيق الالتزام لصالح الأفراد والوطن من خلال الالتقاء علي أرضية المصلحة الوطنية العامة.
وقد افرزت الخبرات الماضية والتساؤلات المعاصرة مفاهيم ومعاني للمواطنة تتفاوت فيما بينها قربا  وبعدا من حقيقة الواقع الراهن ،ذلک بحسب طبيعة الأصعدة التي نشأت فيها وما بها من تيارات سياسية واجتماعية ، ويوجب الإدراک الواعي لقيم ومفاهيم الموطنة ،الفهم الحقيقي للکيفية التي تمارس بها وفق ما تمنحه الأنظمة السائدة من حقوق للمواطن ،إضافة الي مستوي وعي المواطن وحرصه علي ممارسته تلک الحقوق .
وفي ظل المتغيرات الراهنة التي تعيشها المجتمعات علي مختلف الأصعدة ،فثمة تباينات في التناول لمفهوم المواطنة ينعکس بشکل جلي في القيم والمبادئ المحددة لسلوک المواطنين ،والمتحولة بدورها ما بين آليات هدم أو بناء لواجهة المجتمع وهيکل الدولة ، فالمواطنة کمبدأ يجب ان يتأسس علي احترام التنوع والسعي من خلاله إلي تمتين  قاعدة الوحدة الوطنية ، فلا يکتمل مفهوم المواطنة علي صعيد الواقع الا  بدولة الإنسان ، تلک الدولة المدنية التي تمارس المساواة والحياد الايجابي مع معتقدات وأيدلوجيات مواطنيها بما يحقق لحمة النسيج الاجتماعي للمجتمع ، ويدعم شراکة المواطن والدولة في تنمية المجتمع
         فثمة علاقة في المضمون بين مفهومي المواطن والمواطنة ، فلا يمکن ان تتحقق المواطنة بدون مواطن يشعر حقا بحقوقه وواجباته في وطنه ،  حيث تحدد المواطنة الإطار الاجتماعي المرجعي لممارسة الحقوق والواجبات  والعلاقات بين الأفراد والجماعات والدولة ، ويصبح من ضعف الوعي الإنساني ألا نستشرف فشل النظم السياسية التي تهمش الحقوق ذات المضمون الاجتماعي مثل: العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان والمواطنة .
وبالرغم من التسليم بالإختلافات بين منطلقات وجهات النظر في تناولها لمفهوم المواطنة فإن هذه الورقة تتخذ من منطلق الحقوق والواجبات أساساً للتناول فيما يتعلق بموضوعها بل وسيتم التناول للحقوق والواجبات ذاتها من المنظور الذي يضعها في شکل المسئوليات الواجبة القيام بها في مقابل المقومات الواجب الحصول عليها لتحقيق تلک المسئوليات .
حيث تشکل فرضية الحقوق والواجبات في تناول القضايا الإنسانية والاجتماعية الإطار المنطقي للتناول المثمر لطرح الإشکالية، وإذا جاء هذا التعميم ليشمل الأشخاص والجماعات في مجملها فإن منطقيته تتأکد بجلاء مع تخصيصه للمهنيين على وجه التحديد .
ويؤکد الطرح السابق مسؤولية مهنة الخدمة الاجتماعية في العمل علي آليات  تفعيل المواطنة ، وتضمين أبعادها ومکوناتها باهتماماتها العلمية والمهنية . کما يؤکد أيضا وجوب النظر لفرضية الحقوق والواجبات في الإطار المهني والاجتماعي والديني وليس فقط على نحو العطاء في مقابل الربحية والمنفعة، فالاخصائي الاجتماعي کشخص مهني منوط به القيام بأداء واجباته ومسئولياته المهنية فيجب التسليم بإلزامية حقوقه المهنية وتحقيقاً لهويته المهنية للقيام بأدائه المهني .
وفي إطار ذات التناول فإنه بالرغم من أن الثلاثية المتمثلة في ( المواطنة- الهوية – المسئولية ) تمثل مکونات أساسية على النطاق القيمي، إلا أنها في نطاق الواقع تشکل مقومات أساسية تحکم ممارسات الاخصائي الاجتماعي بل وتلعب المؤثر الفاعل في مستوى فاعلية وجاهزية تلک الممارسات، والتي يتبعها بالسليقة مستوى تحقيق مهنة الخدمة الاجتماعية لدورها وهدفها بمؤسسات الممارسة بمختلف المجالات .
        واتساقاً مع التسليم يکون الاخصائي الاجتماعي هو الشخص الذي يمثل مهنة الخدمة الاجتماعية ويشکل أداتها الرئيسية في تحقيق أهدافها، فإن من المنطقية بمکان أن يکون هذا الشخص هو محور الإهتمام ونقطة الإنطلاق عند تناول أي من القضايا المرتبطة بالمهنة، سواءً للتأثير بإحداث التغيير أو بالتأثر بتلک القضايا.
 وفي هذا الصدد تنطلق الورقة الحالية في الإهتمام بالتناول لموضوع المواطنة وآليات الخدمة الاجتماعية لتفعيلها من خلال التمرکز حول الاخصائي الاجتماعي والبدء به والبحث حول مواطنته هو ذاته والقيم المرتبطة بآلية تفعيلها لديه قبل البحث حول دوره في تفعيلها لدى أفراد المجتمع وهيئاته، اتساقاً مع المسلمة القائلة " فاقد الشئ لا يعطيه" .
ويتضح الطرح لهذا الموضوع من خلال تفعيل التناول لکل من عناصر ثلاثية القيم السالفة أو السعي نحو تبيان العلاقة التبادلية التأثيرية بين تلک العناصر، بهدف استنباط آليات تعمل على تدعيم مواطنة الاخصائي الاجتماعي على النحو الذي يمکنه من القيام بدوره العکسي في تفعيل المواطنة لدى أفراد المجتمع، ويتم هذا الطرح من خلال تناول محددات رئيسة مثل:- المواطنة- الهوية المهنية- المسئولية الاجتماعية.
ولعل هذا التناول على هذا النحو يشکل المنطق الذي يجب أن يحکم موضوع المواطنة بالنسبة للشخص المهني ( الاخصائي الاجتماعي ) في واقع مسئولياته وفق واقع توافر مقومات ممارساته المهنية للقيام بدوره تجاه تلک المسئوليات .
وعليه يتم طرح إشکالية الورقة وفق مواضع محورية تتمثل في :
المحور الأول :- المواطنة المسئولة للاخصائي الاجتماعي .
ويتضمن مواضع مثل:
- الواجبات أو الإلتزامات کمکون للمواطنة المسئولة .
- المسئولية الاجتماعية مقوم للمواطنة .
- المسئولية المهنية فاعل لمواطنة الاخصائي الاجتماعي .
المحور الثاني:- الهوية المأمولة والمنقوصة للاخصائي الاجتماعي .
ويتضمن مواضع مثل:
- حق الهوية للاخصائي الاجتماعي في رکائز المواطنة .
- مقومات الهوية المهنية ( الاعتراف المجتمعي- السلطة- حق الممارسة – التعليم والتدريب ).
- الهوية المنقوصة للاخصائي الاجتماعي- الواقع والمخرج - .

نقاط رئيسية

المواطنة المسئولة-الهویة المنقوصة

الكلمات الرئيسية


 

ورقة عمل

الاخصائی الاجتماعی بین

المواطنة المسئولة والهویة المنقوصة

 

إعداد

الأستاذ الدکتور / فوزی محمد الهادی شحاتة

استاذ طرق الخدمة الاجتماعیة

ووکیل کلیة الخدمة الاجماعیة لشئون الدراسات العلیا والبحوث

جامعة الفیوم

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الاخصائی الاجتماعی بین المواطنة المسئولة والهویة المنقوصة

             

             تعد المواطنة من القیم والقضایا التی تفرض نفسها بجلاء علی صعید الاهتمام بقضایا التنمیة والإصلاح الاجتماعی وحل الصراعات والأزمات المجتمعیة بمختلف المسارات السیاسیة والاقتصادیة والتشریعیة والتعلیمیة والاجتماعیة ، حیث تشکل المواطنة البوتقة التی تستوعب مختلف الانتماءات وتضمن عملهم فی معیة واحدة بروح المشارکة والاندماج لتحقیق الالتزام لصالح الأفراد والوطن من خلال الالتقاء علی أرضیة المصلحة الوطنیة العامة.

وقد افرزت الخبرات الماضیة والتساؤلات المعاصرة مفاهیم ومعانی للمواطنة تتفاوت فیما بینها قربا  وبعدا من حقیقة الواقع الراهن ،ذلک بحسب طبیعة الأصعدة التی نشأت فیها وما بها من تیارات سیاسیة واجتماعیة ، ویوجب الإدراک الواعی لقیم ومفاهیم الموطنة ،الفهم الحقیقی للکیفیة التی تمارس بها وفق ما تمنحه الأنظمة السائدة من حقوق للمواطن ،إضافة الی مستوی وعی المواطن وحرصه علی ممارسته تلک الحقوق .

وفی ظل المتغیرات الراهنة التی تعیشها المجتمعات علی مختلف الأصعدة ،فثمة تباینات فی التناول لمفهوم المواطنة ینعکس بشکل جلی فی القیم والمبادئ المحددة لسلوک المواطنین ،والمتحولة بدورها ما بین آلیات هدم أو بناء لواجهة المجتمع وهیکل الدولة ، فالمواطنة کمبدأ یجب ان یتأسس علی احترام التنوع والسعی من خلاله إلی تمتین  قاعدة الوحدة الوطنیة ، فلا یکتمل مفهوم المواطنة علی صعید الواقع الا  بدولة الإنسان ، تلک الدولة المدنیة التی تمارس المساواة والحیاد الایجابی مع معتقدات وأیدلوجیات مواطنیها بما یحقق لحمة النسیج الاجتماعی للمجتمع ، ویدعم شراکة المواطن والدولة فی تنمیة المجتمع

         فثمة علاقة فی المضمون بین مفهومی المواطن والمواطنة ، فلا یمکن ان تتحقق المواطنة بدون مواطن یشعر حقا بحقوقه وواجباته فی وطنه ،  حیث تحدد المواطنة الإطار الاجتماعی المرجعی لممارسة الحقوق والواجبات  والعلاقات بین الأفراد والجماعات والدولة ، ویصبح من ضعف الوعی الإنسانی ألا نستشرف فشل النظم السیاسیة التی تهمش الحقوق ذات المضمون الاجتماعی مثل: العدالة الاجتماعیة وحقوق الإنسان والمواطنة .

وبالرغم من التسلیم بالإختلافات بین منطلقات وجهات النظر فی تناولها لمفهوم المواطنة فإن هذه الورقة تتخذ من منطلق الحقوق والواجبات أساساً للتناول فیما یتعلق بموضوعها بل وسیتم التناول للحقوق والواجبات ذاتها من المنظور الذی یضعها فی شکل المسئولیات الواجبة القیام بها فی مقابل المقومات الواجب الحصول علیها لتحقیق تلک المسئولیات .

حیث تشکل فرضیة الحقوق والواجبات فی تناول القضایا الإنسانیة والاجتماعیة الإطار المنطقی للتناول المثمر لطرح الإشکالیة، وإذا جاء هذا التعمیم لیشمل الأشخاص والجماعات فی مجملها فإن منطقیته تتأکد بجلاء مع تخصیصه للمهنیین على وجه التحدید .

ویؤکد الطرح السابق مسؤولیة مهنة الخدمة الاجتماعیة فی العمل علی آلیات  تفعیل المواطنة ، وتضمین أبعادها ومکوناتها باهتماماتها العلمیة والمهنیة . کما یؤکد أیضا وجوب النظر لفرضیة الحقوق والواجبات فی الإطار المهنی والاجتماعی والدینی ولیس فقط على نحو العطاء فی مقابل الربحیة والمنفعة، فالاخصائی الاجتماعی کشخص مهنی منوط به القیام بأداء واجباته ومسئولیاته المهنیة فیجب التسلیم بإلزامیة حقوقه المهنیة وتحقیقاً لهویته المهنیة للقیام بأدائه المهنی .

وفی إطار ذات التناول فإنه بالرغم من أن الثلاثیة المتمثلة فی ( المواطنة- الهویة – المسئولیة ) تمثل مکونات أساسیة على النطاق القیمی، إلا أنها فی نطاق الواقع تشکل مقومات أساسیة تحکم ممارسات الاخصائی الاجتماعی بل وتلعب المؤثر الفاعل فی مستوى فاعلیة وجاهزیة تلک الممارسات، والتی یتبعها بالسلیقة مستوى تحقیق مهنة الخدمة الاجتماعیة لدورها وهدفها بمؤسسات الممارسة بمختلف المجالات .

        واتساقاً مع التسلیم یکون الاخصائی الاجتماعی هو الشخص الذی یمثل مهنة الخدمة الاجتماعیة ویشکل أداتها الرئیسیة فی تحقیق أهدافها، فإن من المنطقیة بمکان أن یکون هذا الشخص هو محور الإهتمام ونقطة الإنطلاق عند تناول أی من القضایا المرتبطة بالمهنة، سواءً للتأثیر بإحداث التغییر أو بالتأثر بتلک القضایا.

 وفی هذا الصدد تنطلق الورقة الحالیة فی الإهتمام بالتناول لموضوع المواطنة وآلیات الخدمة الاجتماعیة لتفعیلها من خلال التمرکز حول الاخصائی الاجتماعی والبدء به والبحث حول مواطنته هو ذاته والقیم المرتبطة بآلیة تفعیلها لدیه قبل البحث حول دوره فی تفعیلها لدى أفراد المجتمع وهیئاته، اتساقاً مع المسلمة القائلة " فاقد الشئ لا یعطیه" .

ویتضح الطرح لهذا الموضوع من خلال تفعیل التناول لکل من عناصر ثلاثیة القیم السالفة أو السعی نحو تبیان العلاقة التبادلیة التأثیریة بین تلک العناصر، بهدف استنباط آلیات تعمل على تدعیم مواطنة الاخصائی الاجتماعی على النحو الذی یمکنه من القیام بدوره العکسی فی تفعیل المواطنة لدى أفراد المجتمع، ویتم هذا الطرح من خلال تناول محددات رئیسة مثل:- المواطنة- الهویة المهنیة- المسئولیة الاجتماعیة.

ولعل هذا التناول على هذا النحو یشکل المنطق الذی یجب أن یحکم موضوع المواطنة بالنسبة للشخص المهنی ( الاخصائی الاجتماعی ) فی واقع مسئولیاته وفق واقع توافر مقومات ممارساته المهنیة للقیام بدوره تجاه تلک المسئولیات .

وعلیه یتم طرح إشکالیة الورقة وفق مواضع محوریة تتمثل فی :

المحور الأول :- المواطنة المسئولة للاخصائی الاجتماعی .

ویتضمن مواضع مثل:

- الواجبات أو الإلتزامات کمکون للمواطنة المسئولة .

- المسئولیة الاجتماعیة مقوم للمواطنة .

- المسئولیة المهنیة فاعل لمواطنة الاخصائی الاجتماعی .

المحور الثانی:- الهویة المأمولة والمنقوصة للاخصائی الاجتماعی .

ویتضمن مواضع مثل:

- حق الهویة للاخصائی الاجتماعی فی رکائز المواطنة .

- مقومات الهویة المهنیة ( الاعتراف المجتمعی- السلطة- حق الممارسة – التعلیم والتدریب ).

- الهویة المنقوصة للاخصائی الاجتماعی- الواقع والمخرج - .

المحور الأول : المواطنة المسئولة للاخصائی الاجتماعی :-

1-  الواجبات أوالالتزامات کمکون للمواطنة المسئولة .

          تتشکل المواطنة علی نحو عام والمواطنة المسئولة علی نحو خاص فی سیاق مکونات رئیسیة تحدد طبیعتها  وحجمها ومستواها ، وتأتی الواجبات والالتزامات التی تحکم المواطن وسلوکه فی مقدمة تلک المکونات للمواطنة المسئولة ، ویجد المتعمق فی معنی المواطنة ومتطلباتها اقترانها بالمسئولیة ، فلا تنسلخ سمة المواطنة علی الفرد أو الجماعة أو المنظمة الا فی نطاق الواجبات والالتزامات المنوطة بتلک الوحدات ، هذه الواجبات یمکنها ان تنصب تجاه الوحدة ذاتها أو تجاه الوحدات الاخری بالمجتمع والأهم من ذلک تجاه المجتمع وأیدیولوجیته.

ویمکننا فی الشأن هذا ان نسلم بأنه اذا تجنبت المواطنة تلک الواجبات والالتزامات فأنه لایمکن الاقرار بوجودها من الاساس لدی ای من مثل هذه الوحدات، بل ویجب الذهاب الی ابعد من ذلک لتقریر انه لاسبیل ولاحق للتمتع بالمواطنة دون القیام بالواجبات التی تعطی ذلک الحق، فإذا هدفنا الی تنمیة المواطنة لدی أی من الوحدات بالمجتمع فعلینا بالعمل علی تنمیة نسق الواجبات والالتزامات لدیها لتتشکل فی مقومات وجوده وبقائه من عدمه، وعدم النظر لتلک الواجبات علی کونها ممیزات او اضافات لسمات جدیدة وزائدة عن قیام هذه الوحدات ذاتها.

وعسانا فی ذلک لانحمل من یسعی الی التمتع بالمواطنة أعباء او عوائق اذا ما کان لایستطیع القیام بای من الواجبات والالتزامات، حیث لایجب النظر الی واجبات المواطنة المسئولة علی کونها آدءات وجهود مادیة فقط ، بل یجب تضمین القیم والاتجاهات کمکونات فاعلة ودالة علی التمتع بالمواطنة والالتزام بمسئولیتها ،بل فی احیان کثیرة تمثل الالتزمات  القیمیة والاتجاهات الایجابیة المکون الاقوی والمستدام فی ارساء المواطنة المسئولة وقیمتها لدی وحدات المجتمع والمجتمع ککل .

 

2-   المسئولیة الاجتماعیة مقوم للمواطنة .

         لعله من المنطقی عندما نتأمل المواطنة کموضوع واهتمام وجب شمول المسئولیة الاجتماعیة کوجه آخر مکمل لهذا التناول ، بل ویعد ای تناول للمواطنة کموضوع دون ارتباطها بالمسئولیة الاجتماعیة تناولا منقوص ، فالمسئولیة الاجتماعیة کعملیة تعکس وبجلاء کل سمات المواطنة ،علی النحو الذی قد أخذ بکثیر من المهتمین والمتخصصین لتناول المسئولیة الاجتماعیة علی النحو الذی تعدی مستوی الافراد لیذهب الی الهیئات والمشروعات والشرکات الکبری رغم هدفها الاساسی فی الربحیة والعائد المادی ولیس الاجتماعی .

وقد اتسع التناول لمفهوم المسئولیة الاجتماعیة لیشمل مسئولیة کل الکیانات بالمجتمع تجاه المکون الاجتماعی لهذا المجتمع وأفراده ، علی نحو یدل علی کون المسئولیة الاجتماعیة أصبحت تعد تجسیدآ للصورة الواضحة والصحیحة للمواطنة ، وبحیث أنه من خلال المؤشرات الدالة علی قیاسها نستطیع الحصول علی القیاسات الدقیقة والمعبرة للمواطنة ومدی تأسیسها وقیامها لدی وحدات ای من المجتمعات .

وبعیدا عن التوسع فی الاطار المفاهیمی للمسئولیة الاجتماعیة نجدها علی نحو بسیط ووفق خط الطرح لهذه الورقة ، تتشکل فی الاطار المتنامی للواجبات والالتزامات المتعلقة بالجانب الاجتماعی والذاتی لای من الکیانات المجتمعیة والتی تأخذ الصبغة الاجتماعیة  والعامة فی ذات الوقت ، وحیث التحرک من منطلق المسئولیة الذاتیة بعیدا عن التزامات مهنیة أو وظیفیة بعینها ، علی الرغم من ارتباط الاخیرة هذه بالمواطنة أیضا ولکن علی نحو لائحی مهنی فی المقام الاول والمحدد فی المسئولیة المهنیة لدی مسئول رسمی او مهنی .

3- المسئولیة المهنیة فاعل لمواطنة الاخصائی الاجتماعی .

        إذا کانت المواطنة لدی أی من مکونات المجتمع وأفراده تتشکل وفق قیام الشخص بواجباته والتزاماته التی تشکل  بدورها نمط ومستوی المسئولیة الاجتماعیة علی نحو عام لدیه ، فأنه وبالمقابل تتشکل المواطنة لدی الشخص المهنی وفق قیامه بمسئولیته المهنیة المحددة فی اطار واجباته والتزاماته من قبل تلک المهنة .

والاخصائی الاجتماعی کشخص مهنی یعمل فی نطاق مهنة الخدمة الاجتماعیة فأن المهنة تفرض علیه واجبات والتزامات مهنیة تشکل قیامه بادواره ومهامه المهنیة ، تلک التی فی مجملها مرهونة بتقدیم خدمات ومساعدات متنوعة لدی فئات أیضا متنوعة بمختلف المجالات المجتمعیة .

وفی ذات السیاق ، فإن المواطنة للاخصائی الاجتماعی تصبح فاعلة ومتفاعلة مع قیامه بواجباته المهنیة التی تضع الاطار الملائم والمرغوب للمسئولیة المهنیة ، ولا نکون فی موضع المبالغة إذا ما أشرنا الی أن مظاهر ومقومات المسئولیة المهنیة لشخص الاخصائی الاجتماعی تشکل وبجلاء کل مظاهر وصور المسئولیة الاجتماعیة لدی ای من الاشخاص ، هذا بحکم طبیعة اهداف وفلسفة مهنة الخدمة الاجتماعیة التی تسعی للمساعدة والخدمة بعیدا عن مقابل الربحیة والعائد المادی .

وبذلک فإن قیام الاخصائی الاجتماعی بدوره المهنی یحقق سعیا فاعلا للقیام بواجبات والتزامات من شأنها إرساء وتضمین مقومات المواطنة الحقة لدیه وبالتبعیة لدی مهنته بالمجتمع ، ویصبح من الاهمیة بمکان العمل علی تدعیم آلیات قیامه بدوره المهنی وتوفیر کل ما من شأنه تنمیة مسئولیته المهنیة کی یکون علی قدر الفاعلیة لتحقیق المواطنة لدیه ، ولا نغفل ایضا أنه بقدر تمتع الاخصائی الاجتماعی بالمواطنة والعیش فی کنفها بقدر تمکنه من القیام بمهام مسئولیته المهنیة والعکس.

 

المحور الثانی : الهویة المأمولة والمنقوصة للاخصائی الاجتماعی :-

1-    حق الهویة للاخصائی الاجتماعی فی رکائز المواطنة.

        إتساقا مع کون المواطنة تنطوی بالأساس علی رکائز الحقوق والواجبات، فإن حق الهویة یمثل أهم تلک الحقوق إن لم یکن الشامل والمتضمن لباقی الحقوق الخاصة بأی من مکونات المجتمع ، فالمتعمق فی تناول مفهوم الهویة یدرک انها کلمة تجمع فی معانیها ومفهومها بین البساطة والتعقید والوضوح والغموض کل وفق منطلق التناول للهویة کمفهوم.

فالهویة کمفهوم تعنی الخصائص والمکونات والمقومات الدالة علی طبیعة الوحدة وسماتها الممیزة لها عن غیرها من الوحدات ، کما انها تتضمن ایضا البعد المکانی أو الجغرافی فی التمییز والاقرار بخصوصیة الطبیعة والسمات لذات الوحدة . والهویة علی هذا النحو تشکل الأسس التی توصل فی مجملها الی التمتع بالمواطنة وتؤسس رکائزها لای من الافراد والجماعات والمجتمعات .

والاخصائی الاجتماعی کشخص مهنی ینتمی لمهنة الخدمة الاجتماعیة ، یجب العمل علی أهمیة تمتعه بحقوقه الانسانیة والمهنیة بصفه عامة وحقه فی التمتع بهویته الشخصیة والمهنیة بصفة خاصة إذا ما هدفنا الی إرساء رکائز المواطنة لدیه ، فمن حقه ادراک کینونته والوقوف علی ماهیته کشخص مهنی  والتمتع بما تضفیه علیه مهنته من سمات وطبیعة ودور یجب ان یکون مختلفا وفق طبیعة تلک المهنة عن باقی المهن والمهنیین الاخریین بالمجتمع .

2-    مقومات الهویة المهنیة للاخصائی الاجتماعی .

          إنطلاقا من المعنی العام الذی تنطوی علیه الهویة فی عمومها ، فان الهویة المهنیة بصفة عامة والهویة المهنیة للاخصائی الاجتماعی بصفة خاصة یجب ان تتأسس علی ما من شأنه تحقیق المقومات التی من شأنها تحقیق رکائز تلک الهویة ، والتی یمکن تمثلها فی الاعتراف المجتمعی بالاخصائی الاجتماعی و تمتعه بسلطة من شأنها مساعدته فی القیام بدوره الذی یهدف الیه ، إلی جانب التمتع بالحق فی الممارسة والعمل علی مختلف الاصعده شأنه شان باقی المهن بالمجتمع ، وأخیرا التمتع برکیزة التعلم والتدریب المستمر .

ویتضح للمهتمین فی تلک الرکائز وطبیعتها أن ثمة ارتباط وتاثر متبادل بین عوامل وجودها ، فالإعتراف المجتمعی یتضمن التسلیم بوجود المهنة واهمیتها والایمان بدورها فی المجتمع ، وهذا ما یتبعه بالضرورة اقامة المؤسسات العاملة علی عمل هذه المهنة والعاملین بها مثل المؤسسات المختصة بإعداد وتخریج الاخصائیین الاجتماعیین وکذا الهیئات العاملة علی دعم عمله ومساندته للحصول علی حقوقه ومن بینها النقابة المهنیة للاخصائیین الاجتماعیین وجمعیة الاخصائیین الاجتماعیین ، الی جانب مؤسسات الممارسة المهنیة ذاتها.

وعلیه فان الاعتراف المجتمعی علی هذا النحو یتضح فاعلیة تاثیره علی الرکیزة التالیة والمتمثلة فی السلطة المهنیة ، والتی بدورها تمکن الاخصائی الاجتماعی من امکانیة قیامه بالدور المنوط به وفق مسئولیاته المهنیة ، والتی یراها مطلوبة للقیام بدوره المهنی فی تقدیم الخدمات لای من فئات المجتمع .

وعلیه یجب التسلیم بانه کلما افتقد الاخصائی الاجتماعی لتلک السلطة المهنیة کلما ضعفت فاعلیته وقدرته علی تمثیله لمهنه الخدمة الاجتماعیة وتحقیق اهدافها بالمجتمع، تلک السلطة التی تؤثر بدورها فی تمتع الاخصائی الاجتماعی بحقه فی الممارسة وتحدیدا فی حق الممارسة الخاصة والذی قد تخوله  له السلطة المهنیة کباقی مختلف المهن بالمجتمع.

 

3-    الهویة المنقوصة للأخصائی الاجتماعی – الواقع والمخرج - .

          لعل الواقع المعاش لمهنة الخدمة الاجتماعیة وللأخصائی الاجتماعی کممثل لها ، وکذا واقع إدراک حقیقة الرکائز سالفة الذکر للهویة المهنیة ، یؤکد وبجلاء حقیقة نقص الهویة للأخصائی الاجتماعی بالمجتمع ، فالاعتراف المجتمعی للمهنة وأن کان ظاهرا فی جانبه المادی والشکلی للمهنة فان مضمونه یعد منقوصا لدی الاخصائی الاجتماعی ، ولعل ضعف السلطة المهنیة التی یحتاجها الاخصائی الاجتماعی فی مواقف عمله المهنی تشکل الدلیل الدامغ علی نقص هذا الاعتراف المجتمعی .

حیث أن واقع الممارسة المهنیة للأخصائی الاجتماعی بمختلف مجالات الممارسة یؤکد إفتقاده الی التمتع بالقدر الملائم من السلطة المهنیة التی تمکنه من تنفیذ الاجراءات التی اللازمة لقیامه بالمهام المهنیة المنوطة به ، محکوما فی ذلک بسلطة غیره من المهن الاخری والتی یعمل فی إطارها بمختلف مجالات الممارسة .

ولعل أصدق دلیل أیضا علی وجود النقص هذا للهویة بالواقع ، هو تلک القوانین واللوائح التی تحرمه من إمکانیة عمله کممارس خاص ، وفشل کل المحاولات التی سعت للحصول علی تصاریح الممارسة الخاصة للأخصائی الاجتماعی ، هذا هو الواقع ، وهذه هی مظاهر الهویة لدی الأخصائی الاجتماعیى، هویة منقوصة بعض مظاهرها وفی کل مضمونها .

وعلیه فانه إذا سلمنا بحقیقة التأتیر التبادلی بین کل من مقومات الهویة المهنیة ذاتها من جانب وبین مقومات المواطنة من جانب آخر ، فان ثمة تساؤل یجب أن یفرض نفسه علی جمیع المهتمین بمهنة الخدمة الاجتماعیة ، ألا وهو ، کیف المخرج من تلک الدائیرة الخبیثة التی تحکم عوامل نقص الهویة لدی الاخصائی الاجتماعیة ؟ .

والمنطقیة هنا تفرض أیضا أهمیة الادراک الصحیح لحقیقة الهویة المنقوصة للأخصائی الاجتماعی وتمحور أسباب النقص هذا فی دائرة التأثیر التبادلی لمقومات تلک الهویة ، وإنطلاقا من هذا ، فإنه یجب السعی للعمل علی آلیات الخروج من تلک الدائرة ، ولعل السبیل المنطقی فی ذلک من خلال تدعیم وتنمیة ممارساتنا المهنیة علی النحو الذی یحقق فرض اهمیة هذه الممارسة وضرورة وحاجة المجتمع إلیها ، ومن ثم فرض الاعتراف المجتمعی والحصول علی السلطة المهنیة وباقی مقومات الهویة علی نحو متتابع .

وهذا ما قد یوجب أیضا أهمیة التخلی عن التمسک بالبدء من الحصول علی الاعتراف المجتمعی ومن ثم السلطة والحق فی الممارسة الخاصة ، والتسلیم بضرورة الترکیز علی البدء من حیث ما یقع فی نطاقنا ومجال تحکمنا – ممارستنا المهنیة – والعمل علی تطویر أسالیبها وأدواتها لزیادة فاعلیتها لدی وحدات العمل بالمجتمع ، وهذا ما یحقق بالتبعیة المکاسب التی من شأنها حصول المهنة والقائمین علیها عل مقومات الهویة .